اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

مغناطيس القذافي

طه البوسيفي

قيل قديماً إذا أردت أن تجعل من النص مقدساً فابدأه بجملة قال رضي الله عنه، أي انسبه إلى شخصية ذات تقى وورع ، هنا تتحول الكلمات إلى قناديل معبد، ويمسي ترتيلها نوعا من التقرب إلى الذات الإلهية، هذا في شؤون الدين، أما في شؤون الدنيا فلا يختلف الأمر كثيراً، فأنت اليوم إن أردت لمنشورك أن يسرق الأضواء ولكتابك أن يقطر مشترين وأن تعج به مواقع الأخبار وصفحات التواصل عليك أن تختار لقباً لامعاً لرئيس جدلي، عنواناً براقاً جذاباً لرجل مختلف حوله، تماماً كأكلةٍ شهية في فيديو ممول عبر فيس بوك يسيل لعابك بمجرد مشاهدتها.

معمر القذافي قضى نحبه في أكتوبر 2011، ومنذ تلك اللحظة وسيرته -وغيره- تتصدر الأخبار إن أتت على الذكر، حتى صار جملة من المؤلفين والبحاث والمدونين يعمدون إلى حشو كلامهم بمواقف تتعلق بالعقيد حتى تنال صدى أوسع وتنتشر كالنار في الهشيم من دون إعلان ممول، أو فيديو لأكلة شهية، فلقب القذافي هنا أكبر من أي دعاية .

قرأت عشرات المقالات، وكتباً على أصابع اليدين تحكي سيرة معمر العقيد، عن مواقف حصلت في عهده، قرأت مادحاً وذاماً، منزهاً ومجرماً، جميعها عمد مؤلفوها إلى تسليط الضوء على كتاباتهم باستعمالهم شعاراً جاذباً ، لم يكتبوا مواقفهم ومشاهداتك لأنها توثق لحظات فارقة في التاريخ وجب تدوينها وعرضها كي تكون شاهدةً على مرحلةٍ حساسة في التاريخ الليبي الحديث، وكي تتعمر المكتبة الليبية وكي يتنامى الحس النقدي، وكي تصحو الذاكرة الجمعية، ليس فقط لأجل هذا كله، بل لأن القذافي أداة جذبٍ، ولا أدري لماذا تذكرت هنا أن الفئران لا تستطيع مقاومة رائحة الجبن .

آخر ما وجدته من عناوين على صدر صفحتها الأولى صورة العقيد الراحل واسمه الجذاب كان: القذافي سيرة غير مدنسة للكاتب والسياسي التونسي الصافي سعيد الذي أذكر أنه كان يخرج في الإذاعة الرسمية في بداية أحداث الثورة عام 2011، يبدو من الكتاب أنه رد على من أزاحوا الستار عن عيوب النظام السابق ووضعوا الأضواء على حقبة الظلام التي كانت فيها ليبيا فترة من الفترات، يبدو من العنوان واختيار الصورة المرفقة للعقيد أنه كتاب غزلي من دون غزل، ومديح من دون إنشاد.

حيا كان معمر القذافي رجلاً يحب أن يكون مميزاً ومختلفاً، في لباسه، كلامه، مشيته، تجاهله، ضحكته، كل هذا صنع كاركتر مختلفا لرجل سيظل صورة باقية مهما حدث بعده، هذا الرصيد الممتد لعشرات السنوات والذي تعب فيه معمر حتى كونه وكومه هو ما جعل من القذافي ليس مجرد لقب لقبيلة ليبية عريقة لها تقديرها واحترامها ومكانتها. اليوم تحول معمر -وهو بين يدي عزيز مقتدر- إلى مغناطيس، إذا ما أردت لكلامك أن يكون جدلياً فاستعمله، تماماً كما فعلت أنا حين كتبت هذه المقالة المتواضعة ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى