كتَـــــاب الموقع

العضّاضة

فرج عبدالسلام

في هذه الأيام، والتنظيمُ الوحشي الذي دوّخ العالم يلفظُ أنفاسه الأخيرة، في آخر معقل له بشرقي الفرات، لا يملكُ المرء إلاّ إبداء الدهشة، والاستغراب، حول ظهوره الغريب ومسيرته المدمرة وأفوله السريع، وما صاحبَ ذلك من أهوال يشيب لها الولدان، وما ألحقه من دمارٍ مادي ونفسي في كل المناطق التي ابتُلي بها. وربما الأكثر أهمية هو ما ألحقه من قدر هائلٍ من السوء بسمعة الإسلام والمسلمين على مستوى العالم، فصاروا رديفا للإرهاب والوحشية، وهي صفةٌ ستلحقُ بالمسلمين لزمنٍ طويل قادم. بلا شك، يهمنا إلقاء الضوء على فكر وتصرفات داعش، حيث لدينا نصيبٌ وافرٌ من الفكر ومن حامليه في وطننا، منهم الظاهرُ الذي رأيناه من خلال هجمات مميتة، وأعمال إرهاب في مناطق مختلفة، ومنهم المستترُ داخل العقول، الذي يؤيدُ ضمنيّا ما يقوم به الهمجيون من أفعال شائنة، أو يتصرفُ حسب ما هو متاح له ليمارس قسوتَه على المساكين الذين شاء حظهم العاثر أن يقعوا تحت سطوته، وفيما أظنُّ، سنعرفُ يوما ما أن نسبة هذه الشريحة بيننا أكثر عددا مما نعتقد.

في ملفٍّ تحقيقي نشرته صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، بعد نحو عام من سيطرة التنظيم الوحشي على مدينة الموصل في العراق، كان السؤالُ الأهمّ الذي طُرح هو: كيف يختزن البشرُ هذا الكمّ الهائل من الكراهية لبعضهم بعضا، حيث تعرّض الملفّ بالتفصيل إلى القسوة في دولة الخلافة، ولم يقف عند وصف الليبيين والسعوديين بأنهم الأكثر تطرفا في التنظيم حسب قول أهلِ الموصل، وكيف أنهم منوطون بتنفيذ الأحكام القاسية من جَلدٍ وإعداماتٍ علنية على المخالفين في دولة الخلافة. أمّا عن بني قومنا فلا نجادل فيما ورد بشأنهم من اتهامات بضلالٍ عن الإنسانية وحيدٍ عن مبادئها، لأننا خبرنا أفعالهم بتفاصيل مزعجة، حين رأينا خلال سنِيّ سطوتهم تلك الوحشية المنفلتة تسري بيننا، وتهزّ ما تبقى من مشاعرنا الإنسانية. وللتذكير نشيرُ إلى ذلك الليبي البائسِ الذي قطّع جثة أسيره من بني وطنه إلى أشلاء، وطرحها أمامه بترتيب مقرفٍ، جالسا أمام بضاعته، يتوعدُ خصومه باسم الإسلام، أو هكذا ظنَّ.. ولا ذلك الذي قتل أخاه غيلةً بأمرٍ من سدنةِ الفكر المتطرف لأنه يساند الطاغوت “أي الجيش”، وكذلك ما فعلوه في سرت، وفي درنة إبان فترة سطوتهم المظلمة ليس بخافٍ على أحد.

المحصّلةُ، أنّ مسؤولي التنظيم كانوا يستخدمون في الموصل آلة معدنية أسماها أهل المدينة “العضاضة” لمعاقبة النساء اللاتي يرون أنّ ثيابهن لا تغطي الجسم بالكامل وبالمطلق حسب رؤيتهم للحشمة، مثل أن تخرج المرأة بدون ارتداء قفازات.. وهذه العضاضة تسبّبُ آلاما مبرّحة عندما تخترق أجزاءً من جسد المرأة. وأخبرت إحدى ضحاياها مُعدّ التقرير، بأن آلام هذه الآلة الجهنمية أشدّ وطأةً من آلام الولادة… ويقول آخرون إن الآلة تعمل مثل فخّ حيوانات، أو فكٍّ حديدي حين تنغرز أسنان المعدن في الجسم، فتجعل ضحيتها تعوي مثل حيوان مصاب.

لا يتمتع الداعشيون بالذكاء، وإلاّ ما كانوا أضاعوا دولة خلافتهم بسرعة وسهولة، بفعل وحشيتهم المستوردة من غياهب القرون الوسطى. ولكنهم ما يزالون بالغي الخطورة، بالرغم من كل العمليات لإضعافهم واحتوائهم. وبالتالي يتعيّنُ مواجهة الحقيقة المرة، وهي ضرورة هزيمة داعش المعششة في عقول كثيرة بصورةٍ مستدامة. ويتطلب هذا العمل بكثافة على التصدي لأنماط من الفكر الداعشي، الذي قد لا نوليه ما يستحقُّ من اهتمام، لأننا نراه في صورة مبسطة لا تلحق ضررا بالغا واضحا للعيان، مثل حكاية مقهى كازا في بنغازي، فلا نفيق حتى نرى الداعشيين والداعشيات ممسكين بالعضّاضات في شوارع مدننا وقرانا لتطبيق صحيح الدين، أو ما يظنونه كذلك..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى