اهم الاخبارمقالات مختارة

معضلة ليبيا أكبر من المبعوث الأممي

محمد الصياد

كان لافتاً، تنويه بعض وسائط الإعلام العربية، بأن اسم الوزير اللبناني السابق غسان سلامة، كمرشح من قبل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، لتقلد منصب المبعوث الأممي إلى ليبيا، قد مرّ بسلاسة ومن دون إثارة جدل داخل أروقة الأمم المتحدة. فمن حيث لا تقصد، ربما، أومأت تلك الوسائط إلى أن كل الأوراق التي بقيت بحوزة الأمم المتحدة وأمينها العام، بشأن القضية الليبية، قد احترقت، ما خلا هذه الورقة «الجديدة» التي مثلها غسان سلامة. فلم يكن المنافسون المتبقون على المنصب، سوى أوراق جربت واحترقت، وهي: المبعوثان الأمميان إلى اليمن السابقان، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وجمال بن عمر، والمسؤول السابق في الصليب الأحمر السويسري فيليب سبوري. وإذا كان هنالك من توصيف أقرب إلى حالة الملهاة الدولية التي تسم قضية ليبيا وشعبها العربي، الذي شاءت «الإرادة الدولية»، أن تلحقه بركب البلدان والشعوب العربية التي وقع عليها اختيار «نموذج الفوضى الخلاقة»، فهو تداعي مهزلة الأمم المتحدة و«ملّاكها الكبار» في ليبيا.

قبل غسان سلامة، كانت الأمم المتحدة قد أرسلت 5 مبعوثين هم على التوالي: الأردني عبد الإله الخطيب الذي عيِّن على عجل بعد أسابيع من اندلاع «الثورة» الملونة ضد نظام الرئيس معمر القذافي في 17 فبراير 2011، ثم خلفه في المنصب الدبلوماسي البريطاني إيان مارتن (11 سبتمبر 2011 – 17 أكتوبر 2012)، ثم السياسي اللبناني طارق متري (12 سبتمبر 2012- سبتمبر 2014)، فالدبلوماسي الإسباني برناردينو ليون (أغسطس 2014- أكتوبر2015)، وبعده الدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر(2015-2017).

قد يكون المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، ظُلم في واقع الأمر بهذا التكليف، لأن القضية التي كلف بها، هي أكبر بكثير من طاقة الرجل ومن خبرته الدولية، وأعقد من أن يحلّ عقدتها حتى أمين عام الأمم المتحدة نفسه، فما بالك بمبعوث له، لا حول له ولا قوة.

تاريخياً، كانت ليبيا تتكون من ثلاث مقاطعات (أو ولايات)، طرابلس في الشمال الغربي، وبرقة في الشرق، وفزان في الجنوب الغربي. كانت هذه الأراضي متحدة في ظل الاحتلال الإيطالي لليبيا الذي قسّم ليبيا في عام 1934 إلى أربع مقاطعات وإقليم واحد هي: طرابلس، مصراتة، بنغازي، البيضاء، والصحراء الليبية. ومن أجل توطيد حكمه، حاول القذافي أن يضع العرب قبالة البربر، والشرق الليبي قبالة الغرب الليبي، والقبيلة قبالة القبيلة. وقد جعلت المنافسات المحلية والتحالفات القبلية، الوضع أكثر تعقيداً، كما أسهمت في السقوط السريع نحو هاوية الحرب الأهلية. بمعنى أن التقسيم والتشطير في ليبيا له تاريخ.

وقد سبق أن أوضحنا في مقال سابق على هذه الصفحة، بأن ليبيا بعد حرب وغزو حلف الناتو لها، ستلقى نفس المصير الذي لقيه العراق بعد الغزو الأمريكي المدعوم من الناتو له في عام 2003.. فوضى، وتشظي وإرهاب داعشي وقاعدي، واتجار بشري، ومأساة إنسانية تختزلها مشاهد النازحين الفارين من ديارهم بحثاً عن أمان ولقمة عيش عزّ تحصيلهما في بلد الثروة النفطية. وما يجري اليوم، بعد صاعقة الناتو، هو صراع كبار الضواري على تلك الثروة. لكنه يتمظهر بصورة فاقعة ومقززة بين «صغار الضواري»، بين فرنسا التي تجهد من أجل تثبيت أقدام شركتها النفطية «توتال»، وإيطاليا التي يستميت الحكم الجديد فيها، في الدفاع عن مصالح شركة بلاده النفطية «إيني»، باعتبار إيطاليا صاحبة الأفضلية في هذا المضمار، من حيث استعمارها لليبيا الذي امتد من عام 1911 إلى عام 1952. أما الكبار، الولايات المتحدة وروسيا، فهما في قلب المشهد النفطي، تتحركان في الظل بأنفة الكبار.

لذا يبدو صراع فرنسا وإيطاليا، صبيانياً. تقوم الأولى التي احتلت لفترة وجيزة منطقة فزان الجنوبية الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، وهي منطقة مهمة للوجود الفرنسي في وسط إفريقيا، بتنظيم مؤتمر لأطراف الصراع الليبي في مايو الماضي، فترد عليها الثانية بمؤتمر مماثل في نوفمبر الماضي، في تنافس مفضوح على أصول النفط والغاز الليبيين، حيث تحتفظ ليبيا بأكبر احتياطيات نفطية مثبتة في إفريقيا (حوالي 46 مليار برميل)، واحتياطيات غاز تضعها في المرتبة الثامنة عربياً (حوالي 1.5 تريليون متر مكعب)، ناهيك عن كونها مصدِّراً رئيسياً للخام الحلو.

 

المصدر
دار الخليج

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى