اقتصاداهم الاخبار

 مصطفى صنع الله: لم نحصل على درهم واحد! 

رويترز – حين زار رئيس المؤسسة الوطنية للنفط الحكومية في ليبيا حقل الشرارة في أوائل شهر يوليو ، تزاحم وجهاء المنطقة وعمال داخل قاعة مؤتمرات للسؤال عن الوظائف والتدريب والخدمات التي يمكن تقديمها للسكان المحليين.

وتسأل هؤلاء متى سيظهر أثر زيادة إنتاج البلاد النفطي على قراهم؟ وأجاب صنع الله بأن يتحلوا بالكثير من الصبر، لكنه أشار إلى أنهم بحاجة إلى الاستمرار في التحلي بذاك الصبر قليلا.

وزادت المؤسسة الوطنية للنفط الإنتاج إلى أكثر من مليون برميل يوميا بنهاية يونيو للمرة الأولى منذ 2013، في إنجاز بدا شبه مستحيل بعد الفوضى التي تلت الإطاحة بمعمر القذافي في 2011.

وحققت المؤسسة الوطنية للنفط ذلك من خلال استرضاء الوجهاء وفضح من يقفون وراء الإغلاقات وشق طريقها في خضم الكثير من الخلافات القبلية المربكة حيث أعادت فتح حقول وأصلحت البنية التحتية.

ولكي يستمر الإنتاج، يجد رئيس المؤسسة الوطنية للنفط نفسه مضطرا إلى أن يجوب البلاد بانتظام ويسترضي الفصائل المسلحة والجماعات المحلية في الوقت الذي يدخل فيه في شد وجذب مع حكومة الوفاق بشأن الموازنة والسيطرة على قطاع النفط.

وحتى إذا استطاعت المؤسسة الوطنية للنفط الاستمرار في منع إغلاق الموانئ والحقول، والذي أعاق إنتاج ليبيا في السنوات الأخيرة، فإن هدفها المتمثل في زيادة الإنتاج إلى 1.25 مليون برميل يوميا في وقت لاحق من هذا العام سيكون صعب التحقيق.

والإنتاج متذبذب بالفعل بسبب مشكلات ترتبط بالإغلاقات الطويلة وقلة الصيانة ونقص الاستثمار. 

وصدأت خطوط الأنابيب المعطلة كما سرق اللصوص الكابلات النحاسية في منشآت النفط المهجورة بينما لم يتم تنفيذ أي أعمال حفر جديدة لثلاث سنوات وعاد القليل من المتعاقدين الأجانب. وهناك حاجة ملحة للمال من أجل إحلال البنية التحتية وصيانتها.

وقال صنع الله لرويترز في طريق عودته من زيارة لحقل الشرارة وحقل الفيل الواقع في جنوب غرب البلاد “ما لم يتوافر لنا المال، لن نكون فحسب غير قادرين على زيادة الإنتاج بل إننا لن نستطيع الحفاظ عليه حتى.. إلى الآن لم نحصل على درهم واحد”.

ومن بين الأطراف التي تراقب الوضع عن كثب منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) التي ترغب في زيادة أسعار النفط العالمية.

 وأعفت أوبك ليبيا ونيجيريا العضوتين في المنظمة من اتفاق لخفض الإنتاج دخل حيز التنفيذ في يناير كانون الثاني، لكن المنظمة تدرس حاليا ما إذا كان يجب وضع سقف للإنتاج الذي يزيد سريعا ومتى.

ومن المنتظر أن يعرض صنع الله خططه للإنتاج في اجتماع بين أوبك ومنتجين مستقلين للنفط سيعقد في روسيا يوم السبت القادم.

صراع وإغلاقات

لدى ليبيا أكبر احتياطيات نفط مؤكدة في أفريقيا. وقبل الانتفاضة التي قتل خلالها القذافي، كانت ليبيا تضخ كميات تصل إلى نحو 1.6 مليون برميل يوميا معظمها من الخام الخفيف المنخفض الكبريت والذي يجري شحنه إلى أوروبا.

لكن منذ عام 2013 تسببت الإغلاقات والقتال المرتبط بالصراع الذي انتشر في أنحاء البلاد في إضعاف القطاع بشدة.

وأغلق قادة جماعات مسلحة موانيء وخطوط أنابيب وأضرم مسلحون النار في صهاريج التخزين في الوقت الذي تعرضت فيه بعض المنشآت النفطية للنهب. ونفذت تلك الإغلاقات مجموعات مسلحة كانت إما تطالب بزيادة الأجور أو تسعى لاقتطاع مصدر من إيرادات الحكومة.

وسعت الحكومة المؤقتة إلى بيع خامها عبر مؤسسة وطنية موازية للنفط في بنغازي لكنها عجزت عن ذلك.

ونجت المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس من الصراع دون أن تتأذى نسبيا، لتظهر باعتبارها ربما المؤسسة الكبرى الوحيدة التي كان بمقدورها العمل بفعالية في أنحاء البلاد.

ويسافر صنع الله، الذي جرى تعيينه رئيسا للمؤسسة الوطنية للنفط في مايو أيار 2014، وزملاؤه بحرية ليجتمعوا مع السكان على عكس رجالالهلال النفطي السياسة الذي ينقسمون إلى حد كبير بين الشرق والغرب ونادرا ما يخاطرون بالخروج من أماكن تمركزهم.

وفي الصيف الماضي، انخفض الإنتاج دون 250 ألف برميل يوميا ليبدأ صنع الله حملة ضد الإغلاقات وليتنقل عبر الأراضي الليبية الشاسعة على متن طائرة صغيرة.

وقال صنع الله البالغ من العمر 65 عاما، وهو مهندس كيميائي ومدير سابق للعمليات عمل بالمؤسسة الوطنية للنفط لأكثر من ثلاثة عقود: “منذ يوليو الماضي، وعلى مدار عام وأنا أتنقل باستمرار بين جميع حقول النفط وجميع القبائل وجميع أماكن الإغلاق. وجلست معهم كلهم وشرحت المشكلة.. لكي تحل المشكلات أنت بحاجة للحديث وجها لوجه”.

وحدثت انفراجة كبيرة في سبتمبر أيلول حينما فقد إبراهيم الجضران، وهو زعيم جماعة مسلحة أغلقت عددا من الموانئ الرئيسية وندد به صنع الله علنا، وسمح حفتر سريعا للمؤسسة الوطنية للنفط بإعادة فتح موانئ وربط الحقول.

وبعد ثلاثة أشهر انتهى إغلاق استمر عامين لخطوط أنابيب تمتد إلى حقلي الشرارة والفيل بالقرب من مدينة الزنتان الواقعة في غرب البلاد، وذلك بعد وساطة مؤسسة النفط لأشهر مع الفصائل الضالعة في الإغلاق. ويشكل الحقلان في الوقت الحالي نحو ثلث إجمالي إنتاج ليبيا.

وخلال زيارة صنع الله إلى الفيل والشرارة، وجه تحية حارة إلى الموظفين وزعماء المجتمع المحلي والحراس ووقف لالتقاط الصور ومصافحة الرجال قبل أن يخوض نقاشات بشأن الأوضاع المحلية وطلبات المساعدة.

وفي الشرارة، سلم صنع الله مؤن إلى مدينة أوباري القريبة شملت مئات الأسرة ومستلزمات مدارس. وقال زعيم محلي في منطقة حقل الفيل إنه بحاجة إلى مضخات للمياه ومحطات للوقود وملاعب لكرة القدم ومتنزهات ترفيهية.

ولم يقدم صنع الله تفاصيل بشأن ما وعد به تحديدا في اتفاقاته المختلفة لإعادة فتح حقول أو خطوط أنابيب لكنه يصر على أنه لم يعرض أموالا نهائيا.

وقال صنع الله “لب الموضوع هو أن تشرح للناس اليوم في حقلين للنفط أن لدينا شراكة مع أصحاب حصص”. وقال إن رسالته مفادها “الإنتاج أمر بالغ الأهمية لكم أيضا وليس لنا فحسب”.

مخاطر

هناك حدود ومخاطر أمام استراتيجية المؤسسة الوطنية للنفط.

وتعجز حكومة الوفاق الوطني في طرابلس عن بسط سلطتها أو التغلب على فصائل خارجة عن سيطرتها منذ أن تولت الحكم في مارس من العام الماضي، وهو ما يعني أن تهديدات سياسية وأمنية أكبر لإنتاج ليبيا ما زالت تلوح في الأفق.

وساءت العلاقات بين حكومة الوفاق الوطني والمؤسسة الوطنية للنفط بسبب خلاف تعاقدي مع شركة فنترشال الألمانية للنفط التي تملك امتيازين في الشرق. واتهمت مؤسسة النفط الليبية الحكومة باستغلال الخلاف لبسط سلطتها على قطاع النفط واتهمت فنترشال بالتواطؤ مع حكومة الوفاق الوطني.

وقال صنع الله إن السياسيين بحاجة إلى وقف التنافس على السيطرة على الموارد النفطية ومنح المؤسسة الوطنية للنفط الموازنة التي تحتاجها.

وترد حكومة الوفاق الوطني بأنه حتى مع ارتفاع إنتاج النفط تظل الأموال محدودة. ومن المتوقع أن تبلغ الإيرادات النفطية 16.6 مليار دينار ليبي (11.4 مليار دولار) هذا العام وفقا للبنك المركزي وهي بذلك ما زالت أقل بكثير من 21 مليار دينار (14.5 مليار دولار) تلزم لدفع أجور موظفي الحكومة وحدهم. 

ويظل العمال والسكان المحليون قلقين ومتضررين من انخفاض مستويات المعيشة لسنوات، حتى ان موظفي قطاع النفط يجدون صعوبة في الحصول على رواتبهم.

وعاني حقل الشرارة البالغ إنتاجه نحو 270 ألف برميل يوميا من إغلاقات قصيرة حين تم إغلاق صمامات الحقل في مارس وأبريل ومرة أخرى حينما نفذ موظفون إضرابا بعد أن غرق عامل في حوض سباحة في الحقل في يونيو حزيران.

ولم يتم فتح حقل الفيل الذي يضخ حاليا نحو 60 ألف برميل يوميا حتى مايو بسبب احتجاج الحراس.

وقال صنع الله إن المؤسسة الوطنية للنفط تفعل ما بوسعها للمجتمعات المحلية الواقعة قرب المنشآت النفطية لكن الأمر يستغرق وقتا.

وقال صنع الله في مقابلة مع رويترز في مايو أيار “لا يمكننا أن نحل محل حكومة… لا يمكننا القيام بكل شيء”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى