مقالات مختارة

مصراتة والانتخابات البلدية… نظرة من الداخل

سليمان البيوضي

تقديم

تستعد مصراتة لعملية انتخابية وديمقراطية مهمة، وستحظى هذه الانتخابات لاعتبارات عديدة باهتمام محلي ودولي، فنحن أمام إعادة صياغة المشروعية بشكل عميق، وإنتاج حالة جديدة من التموقعات السياسية داخليا وخارجيا، وهذه العملية جزء من ديمومة المسار الديمقراطي الذي توقف زهاء 6 سنوات متتالية، و خلال تلك السنوات تغير المشهد السياسي والاجتماعي في المدينة في إطار عملية صعود وانحسار دراماتيكية معقدة، وسأحاول تشخيص المشهد الحالي وفقا لمعطيات يمكن الحصول عليها من القوائم المترشحة، والتي تظهر بوضوح طبيعة التحالفات والمزاج الشعبي العام وبتعبير أدق العقل الجمعي الجديد للمدينة.

إطار عام

وصل عدد القوائم المترشحة للانتخابات البلدية اثني عشر قائمة ويمكن تقسيمها ديموغاجيا لمستويين أساسيين: تيار فبراير و تيار سبتمبر، وتصنيفها أيدلوجيا لثلاث مستويات رئيسية:

ديمقراطيون وإسلاميون واشتراكيون

وتسجل هذه الانتخابات ثلاث أحداث مهمة لأول مرة منذ 2011 تقريبا.

الأول: عودة المحسوبين على النظام الجماهيري بشكل علني ودخولهم لعبة التنافس السياسي والتعبوي لقيادة المدينة.

الثاني: انقسام المدينة رأسيا وأفقيا في الترشح للانتخابات.

الثالث: وجود قائمة حزبية علنية وكقائمة محددة، وهي خطوة إيجابية تحسب للقائمين على الحزب، رغم اختلاف مشاربِ السياسية معهم.

وبالعودة للانقسامات الحاصلة في المدينة فرأسيا وضمن التوصيفات الديموغاجية والأيدلوجية، برزت في كل القوائم – تقريبا – قيادات من الصف الأول لتيارات المدينة السياسية، فانقسم تيار فبراير لثلاث مستويات تقريبا.

إسلامي وديمقراطي وإصلاحي

أما تيار سبتمبر – الإشتراكي – فإنه تمدد بتحالفات ظاهرية في الفراغات المستحدثة داخل تيار فبراير المنقسم على نفسه في ثلاث مستويات وزاد عنها بعلنية انتماءات بعض شخوصه الفكرية.

أما أفقيا فقد شهدت كل المكونات الإجتماعية – القبلية – في المدينة ترشحا مكثفا لأبنائها، وهو تجاوز لعرف سياسي ((مسكوت عنه))، تعاملت معه المدينة بشيء من الحذر والعلنية في التجارب الانتخابية السابقة، ووصل مداه بحرب بيانات قبلية شهدتها مواقع التواصل الإجتماعي مع قرب انطلاق الحملات الانتخابية، وبغض النظر عن طبيعة الانشقاقات والبيانات وخلفياتها إلا أنها تعبر بوضوح عن تراكم معرفي أدى في النهاية لقواعد اشتباك جديدة، بل إنها جاءت كتوكيد لثبوت فشل التجربة السياسية المستندة على النسيج القبلي والاجتماعي كراعية للمصالح الفئوية.

حظوظ

كل القوائم تقريبا تمتلك نفس الحظوظ في الفوز بالانتخابات البلدية مع فوارق نسبية، وهي من تتيح لواحدة منها فقط في حال اتباعها المناورات التكتيكية المباغتة بالفوز بفوارق مريحة، وهي عملية إدارية وفنية معقدة ستستدعي تحالفات بينية وتنازلات مؤلمة، فالانقسامات الرأسية والأفقية أحدثت ما يمكن أن نسميه (باتفاق الفرصة الأخيرة)، وسيمتلك الطرف الغائب عن التمثيل داخل القوائم فرصة مثالية لما يمكن تسميته ((قلب الطاولة))، وسيكون جزءا أصيلا من اتفاق الفرصة الأخيرة.

بعض القوائم تبدو مرتبكة بسبب تقديم وتأخير في المواقع، وأخرى سيؤثر عليها الانقسام المجتمعي حولها داخل مكوناتها الإجتماعية الرئيسية، وحتى الآن ثمة قائمتان تحتاجان لتنازلات مؤلمة لتحصِرا المنافسة بينهما، فكلاهما عوامل استثنائية تعطيهما هذه الأولوية، حيث يمكن وصف الأولى بقائمة التيار الإصلاحي داخل فبراير ووصف الثانية بقائمة التيار الديمقراطي داخل سبتمبر!!؟.

 

ثمة أيضا فرصة استثنائية لقائمتين تبرزان بوجوه شابة وقد تحقق إحداهما الإنجاز، فبالنظر لسياقات انخراطهما في الدعايات الديموغوجية الشعبوية وتحررهما من عوامل الضغط الاجتماعي، وعوامل التنافسية الأيدلوجية لكليهما تمثل أداة المناورة لإنجاز اتفاق الفرصة الأخيرة.

إن التنافسية المتداخلة في المستوى الاجتماعي والأيديولوجي ستؤدي لتفتيت المجموع الكلي لكل توجه سياسي، ولن يتمكن أحد من الانفراد بالنتيجة دون تنازلات أو الفوز بفارق غير مريح، وعليه فإن إنهاكه مبكرا من قبل خصومه سيكون سهلا وديمقراطيا.

مخاطر

إن فشل إنجاز العملية الديمقراطية وإجراء الانتخابات والإبقاء على الوضع التمثيلي الملتبس لشهور أخرى أمر محتمل، فبالنظر لطبيعة المحاولات الدولية والمحلية للانخراط في وقف دائم لإطلاق النار وإطلاق حوار سياسي تمثيلي على المستوى الوطني.

سيستدعي أحد أمرين:

إما الضغط محليا ودوليا لإجراء الانتخابات في موعدها وبشكل عاجل ليكون هناك تمثيل جديد معترف به، أو الدفع نحو إرجائها حتى إنهاء المفاوضات ووضع خارطة طريق وطنية شاملة ستفضي في النهاية لإجراء انتخابات محلية ووطنية.

لذا فإن الوضع الوبائي لفايروس كورونا والذي يشهد تطورات يومية في ليبيا هو المؤثر المباشر على فرص إجراء الانتخابات من عدمها، خصوصا أن الموجة الارتدادية للفايروس عادت مبكرا في دول العالم، و قد تتسبب في إغلاق كامل مرة أخرى، وعليه فإن إجراء الانتخابات في موعدها لن يكون أمرا سهلا وسيضعف من مصداقية نتائجها.

أما المعضلة السياسية الكبرى أمام العملية الديمقراطية – إن حدثت – ستكون الاعتراف بالنتائج، وبكل وضوح فإن اللجوء للقضاء الإداري – من طرف ثالث – سيسقط نتائجها من أول جولة، لأن المُشَرِّعَ الليبي قرر – من حيث يدري أو لا يدري – إفشال الحكم المحلي مرتين، إذ لم يقرر هل هي سلطة محلية أو إدارة محلية في الجهاز التنفيذي للدولة، وصاغ نظاما انتخابيا مختلطا حيث اقتبس نصوصا من التجربتين الإنجليزية والفرنسية وشكل بهما هجينا ما بين الأفراد والقوائم، ولأن الشكل الانتخابي الجديد هو بقرار من المجلس الرئاسي، والذي لا يملك شرعية قانونية معترف بها، فإن إسقاط ما يترتب عن قرار تعديل القانون الخاص بالحكم المحلي (( 59 و تعديلاته )) هو أمر حتمي في حال الطعن به، وبالتالي العودة لمربع نزاع المشروعية.

اتفاق

إن قطع الطريق أمام المخاطر – القانونية – و بالاستناد على إرادة الناخبين يتطلب أن تقوم اللجنة الفرعية للانتخابات البلدية وبالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني بصياغة ميثاق شرف انتخابي يوقع عليه رؤساء القوائم المترشحة ومعهم كل الطيف المجتمعي (( ذي الصفة ))، وبموجبه يتعهد الجميع بقبول نتائج الانتخابات وعدم الطعن بأي حال من الأحوال في تعديلات قانون الإدارة المحلية المشار له وما ترتب عنه، و أن تكون الطعون الانتخابية فيما يخص العملية الانتخابية ومقتضياتها، وعدم الاعتراف بأي طرف ثالث يمضي لذلك.

وهذا الاتفاق هو الضامن الوحيد لديمومة المسار الديمقراطي في المدينة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى