مقالات مختارة

مشكلة عقل لا مشكلة إرهاب

عبدالله بن بخيت
كانت داعش قبل سنة أو أكثر تعتبر (إخواننا المجاهدين) ثم أصبحوا بعد أن طال مشروعها الشكوك (إخواننا بغوا علينا) واليوم بعد أن تأكد المصير المحتوم أصبح داعش مؤامرة صهيونية.
هل نطلق على هؤلاء أذكياء؟ قد يبدو السؤال سهلا ولكنه على الأقل بالنسبة لي من أصعب الأسئلة التي فتحتها على نفسي.
ما الذي كانت تملكه داعش لكي تجد من يضع املا في انتصارها؟ لا شيء. أسلوب داعش أهدافه توقيته إمكانياته. أسلوبه يقوم على معاداة الجميع. أهدافه قيام امبراطورية لا حدود لها. توقيته القرن الواحد والعشرين. إمكانياتها جيوب ورشاشات حتى مهربي المخدرات أكثر تسليحا منه.. كيف يأتي مدرس في جامعة يحمل شهادة دكتوراه يراهن على أن هذا الكيان سوف يصنع له خلافة إسلامية؟ أعد مراجعة أشرطة ومحاضرات وخطب السنتين الماضيتين لتعرف الحجم الهائل الذي راهن على مشروع داعش وبشر به.
أضعنا وقتا كثيرا في الحديث عن محنة صغار السن الذين انضموا إلى داعش.. كيف نعاقبهم؟ كيف نصلحهم… الخ؟ وأضعنا أيضا وقتا كبيرا في إدانة الدعاة الذين ألقوا بهؤلاء الصغار في الإرهاب.. تجاهلنا كثيرا النظر في بنية العقل التي قادت إلى كل هذا وما سبب التلوث الذي أوصله إلى هذه الدرجة من إنكار ذاته.
واحد زايد واحد يساوي اثنين.. لا يمكن أن تكون أكثر أو أقل حتى عند صاحب العقل السقيم. كيف وجد هؤلاء الدعاة أملا في داعش؟ كل سلاح يملكه داعش وحتى السكاكين التي يقطع بها رقاب الناس مصنوعة في الغرب.. الانترنت الورق الكاميرات وكل شيء آخر يستخدمه داعش حتى سراويل أفراده ونسائه التي يسترن بها عورتهن مصنوعة بأيدي الكفار الذين عقد العزم على قتلهم. وليت الأمر يتوقف على داعش. كل مقومات وجود هؤلاء الدعاة الذين يباركون داعش سرا أو علنا تحت رحمة الغرب.
هؤلاء الدعاة ليسوا غريبين علينا. في الجامعات وفي المعاهد وفي المساجد ويسيطرون على منافذ اتصال لا حصر لها. لم لا نتوقف عن التفكير الاجتراري.. مشكلتنا معهم ليست في الدعوة للإرهاب، دعواتهم للإرهاب ثمرة مشكلة أخرى أعمق وأعقد.. كيف يبشر المرء بمشروع مضمون الفشل، حتى لو تخيلنا المستحيل وانتصر داعش فسوف يموت.. داعش أو النصرة أو فتح الشام كالديدان التي تعيش في الكبد إذا تمكنت من الجسد ستقتله.. حياتها متوقفة على حياة الجسد الذي تنخر فيه.
من يريد أن يحتل دولة أو يسطو على بنك أو يتزوج امرأة جميلة أو يذهب إلى الحديقة لا بد أن يقيم إمكانياته.. يضع ما يملكه من إمكانيات مقابل ما يطمع في تحقيقه. هذه أبسط محاكمة عقلية يمكن أن يجترحها الإنسان السوي.. الشجاعة والمغامرة والتضحية دورها تالٍ وعامل مرجح فقط.. لا يمكن للعقل السليم أن يساند عملا مستحيلا.. من يطمع في هزيمة أميركا وروسيا وأوروبا بسلاح من صنعهم محمول على سيارات من صنعهم، وإذا قضى عليهم قضى على نفسه، كيف نتفاهم معه أو نحاسبه؟ مشكلتنا ليست في الإرهاب ولا في الدعاة ولكن في مكان آخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الرياض” السعودية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى