حياةخاص 218

مسلسل “فوضى”.. عندما يكون الفن في خدمة الصراع

نشر الناشط الفلسطيني جورج زيدان*، مقالاً مطوّلا على صحيفة هآرتس الإسرائيلية، تناول فيه تفاصيل دقيقة لمسلسل “فوضى” الإسرائيلي الذي بث عبر شبكة Netflix، والذي أثار جدلا واسعا على اعتبار أنه جانب الصواب في الكثير من الأحداث والوقائع.

وقال زيدان إن ” فوضى” ليس خداعا وتنافيا مع العقل فقط، بل إنه تحريض ضد الفلسطينيين، إذ أصبح الشرق الأوسط بالفعل اليوم يعج بالمعلومات المضللة، والتلميحات، والدعايات الخطيرة، ولا حاجة إلى المزيد.

ويروي المسلسل تنفيذ الوحدة القتالية الإسرائيلية السرية، أو ما يعرف بـ”المستعربون” مهمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأضاف زيدان: “بصفتي فلسطينيا يعيش في الأراضي المحتلة أفهم أن الكثير من الإسرائيليين، والعديد من المشاهدين في جميع أنحاء العالم يعتقدون أن مسلسل (فوضى) يقدم وجهة نظر مستنيرة ومحايدة حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. في الواقع إن الشعار الإعلاني للمسلسل هو: (القصص الإنسانية على جانبي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني)”.

وأشار إلى أن المسلسل لا يصوّر الحياة والهوية الفلسطينية بدقة، ومن المؤسف أنه لقي صدى واسع النطاق.

في الموسم الثالث من المسلسل، تظهر وحدة كوماندوز إسرائيلية سرية، أثارت الجدل داخل الضفة الغربية خلال الموسم الأول والثاني، في مسرح عمليات جديد ألا وهو غزة، حيث تشارك الوحدة التي يتحدث أعضاؤها اللغة العربية، في عملية تهدف لإطلاق سراح شابين إسرائيليين اختطفتهما حركة حماس.

ووفق جورج زيدان، فإن الفلسطينيين في غزة يعانون عام 2007 من حصار بري، جوي وبحري من الجانبين الإسرائيلي والمصري وبما أن الحدود الوحيدة هي البحر فذلك يعني أنه لا مخرج.

ويقول زيدان إن “القليل من الإسرائيليين ربما دخلوا غزة خلال الـ15 عاما الماضية، وكذلك القليل من الفلسطينيين من الضفة الغربية وأنا واحد من الأقلية التي دخلت القطاع لعدة مرات وذلك لمهام إنسانية، إذا، هل يعتبر مسلسل فوضى بمثابة فرصة نادرة داخل منطقة مغلقة فعليا؟”.

يعتقد زيدان أن كاتبي الموسم هذا قاموا بواجبهم بوضوح فيما يتعلق بقول الحقيقة من خلال إظهار انقطاع الكهرباء بين الحين والآخر وإظهار مدى اتساخ المياه وتلوثها في غزة، لكن الواقع أسوأ حتى من المسلسلات التلفزيونية الأكثر بؤسا، حيث إن ٣٨٪ من السكان يعيشون الفقر، و٥٤٪ من عدم الأمن الغذائي، و٣٩٪ شباب عاطلون عن العمل، وأكثر من ٩٠ ٪ من مياه القطاع عادمة وغير صالحة للشرب.

وضمن روايته لسوء الحال في غزة، أكد زيدان أنه شاهد أطفالا من غزة يغادرون إلى إسرائيل عبر معبر إيرز الحدودي للتمكن من العلاج من السرطان بدون عائلاتهم، وهو ما لم يرد في مسلسل فوضى الذي انتهز كاتبه كل فرصة للتركيز على التطرف في غزة.

وتابع زيدان بأنه في إحدى حلقات المسلسل، يدخل دورون كابيلو، وهو البطل الرئيسي وقائد الوحدة السرية، إلى محل في غزة متنكرا كرجل فلسطيني، يبدأ بتحية صاحبة متجر بكلمة “مرحبًا” باللغة الإنجليزية وينتهي بدعوة الشابة “حبيبتي”، وأضاف زيدان: “صحيح أننا نحن العرب نميل لاستخدام كلمة (حبيبي) بما يتجاوز معناها الفعلي، وإن استخدام “حبيبي” بهذه الطريقة تؤكد أن قائلها إسرائيلي”.

ولفت جورج زيدان، إلى أن ثقافة دورون غير اللائقة قد تكون سببا كافيا ليتم القبض عليه، في حين أن الجمهور العالمي الواسع للمسلسل قد لا يمتلك المعلومات والأدوات اللازمة لمعرفة واقع غزة، لكن هذا يجعل ذنب المديرين، الذين لا يحاولون حتى عرض الحقيقة، أكثر فظاعة.

وفي السياق نفسه، هناك أمثلة أخرى بخصوص عدم المعرفة الواضحة بكيفية حديث الفلسطينيين. كان يمكن لأي فلسطيني أن يفهم بأن هناك شيئا مريبا حول الملاكم الذي ظهر في هذا الموسم والذي من المفترض قدومه من الخليل، إن أغلب لهجات الضفة الغربية متشابهة إلى حد معقول ـ ولكن لهجة الخليل الشهيرة متميزة، ولم يكن هناك حتى جهد ولو قليل لتصوير ذلك، وشدد زيدان على أن “فوضى” يحتاج لمزيد من المستشارين الفلسطينيين.

 

وتابع جورج أن هذا قاده لأكبر مشكلة في العرض، وهو أن كتاب مسلسل فوضى في كل فرصة متاحة أمامه يُقدّم قوات الكوماندوز الإسرائيلية على أنها تقوم على مبدأ شخصي وعملي، إلى جانب الحرص الشديد على حماية المدنيين في غزة، والخروج عن الطريق للوفاء بوعدهم لعائلة الفلسطيني الذي قام بمساندتهم، وقال: إنهم لم يقوموا بعرض مشاهد إطلاقهم للنار أو قتلهم لأي امرأة أو أطفال فلسطينيين.

وأضاف جورج زيدان أنه “إذا كان من الصعب للغاية أن نثق بالفلسطينيين والمنظمات الإنسانية الدولية ـ فإننا سنسمع هذه الحقيقة من قدامى المحاربين الإسرائيليين أنفسهم، الذين يصفون كيف تم مسح كل الأحياء من على الخريطة تقريبا، وقد قال الجنود – واقتبست من مقولاتهم – (أطلق النار على أي شخص بالقرب منك)”.

وأشار إلى كلمات وزراء حكومة إسرائيل، مثل وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان، الذي صرح في عام 2018 أنه “يتعين عليك أن تفهم، لا يوجد أناس أبرياء في قطاع غزة”.

ويرى زيدان أن “هذه حرب فوضى تُظهِر جميع بياناتها أن العكس هو الصحيح، ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) فيما يتعلق بواحد فقط من الصراعات بين إسرائيل وحماس، في حرب غزة عام 2014، قتل 2251 فلسطينيا، منهم 1462 من المدنيين 551 من الأطفال و299 من النساء، ويحتاج الإسرائيليون إلى معرفة حقيقة أن جيشهم مسؤول عن قتل كل هؤلاء المدنيين، والاعتراف بالفجوة بين هؤلاء القتلى وقاتليهم وجنود فوضى الخياليين”.

ويبيّن أن أحد أسوأ المشاهد، حين يحاول اختصاصي علاج طبيعي عربي، أثناء قيامه بجلسة علاجية في مستشفى إسرائيلي، قتل رئيس فرع جهاز الأمن العام الإسرائيلي في الضفة الغربية.

وفنّد زيدان هذا المشهد بالقول إن 17 ٪ من أطباء إسرائيل و24 ٪ من ممرضاتها و47 ٪ من الصيادلة هم من العرب، ولم يسبق تسجيل أي حادث في التاريخ أن طبيبا عربيا في إسرائيل ألحق الأذى بمريض.

وقال زيدان: “من السخف أن نرسم شخصية ومخططًا يميز العرب الذين يعملون داخل نظام الرعاية الصحية الإسرائيلي على أنهم غير جديرين بالثقة وغير مخلصين، وقادرين على الهجمات العنيفة، يمكن أن يخلق مزيدا من عدم الثقة بين الناس. وإن الترويج لمثل هذه الصورة أمر خادع وكاذب تمامًا- والأسوأ من ذلك أنه يغذي تلك الأصوات، بما في ذلك حكومة إسرائيل، التي تحط من قدر المواطنين العرب في إسرائيل باستمرار، وتشرع عدم المساواة وتحرض ضدهم”.

ورأى زيدان أن إنتاج موسم رابع من المسلسل في الأراضي الفلسطينية، سواء غزة أو الضفة الغربية، سيقضي على مصداقيته إلى حد بعيد بعد ثلاثة مواسم من استنفاد وسائل التحايل، وأضاف: “إذا كان الأمر كذلك، آمل أن يتحمل الكتاب والمنتجون مسؤوليتهم بجدية أكبر لتقديم واقع اجتماعي وسياسي أكثر إيمانًا، وأن ينسحبوا من التحريض المناهض للعرب”.

*جورج زيدان هو أحد مؤسسي منظمة الحق في حركة فلسطين، وهي مبادرة لتوضيح واقع الحياة الفلسطينية من خلال الرياضة. حائز على جائزة فولبرايت بدرجة الماجستير من كلية برايس للسياسة العامة، جامعة جنوب كاليفورنيا، وهو يعمل في منظمة إنسانية دولية في القدس. نشأ وترعرع في البلدة القديمة في القدس.

زر الذهاب إلى الأعلى