مقالات مختارة

مزاعم تركية جوفاء بتعزيز النمو بالإقراض

ذو الفقار دوغان

يوم الجمعة الماضي، في الوقت الذي سادت فيه حالة ارتباك في تركيا بعد نبأ يفيد بمقتل العشرات من جنودها في هجوم شنته القوات الحكومية السورية في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، وضع وزير الخزانة والمالية التركي بيرات البيرق منشورا متفائلا على حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي، مشيدا بنمو تركيا الاقتصادي بنسبة 0.9 في المئة في عام 2019.

وسرعان ما حذف البيرق منشوره بعد رد فعل عنيف على توقيته. ولكن لم يكن الأمر مجرد افتقار الوزير إلى الدبلوماسية، فقد أظهرت الأرقام الصادرة عن معهد الإحصاء التركي أن الوضع بعيد عن الصورة الوردية التي رسمها البيرق، إذ تراجع النمو الاقتصادي في تركيا إلى المستوى الذي وصل إليه آخر مرة في الأزمة المالية في عامي 2008 و2009.

كان نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة ستة في المئة المسجلة في الربع الأخير من عام 2019 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2018 ناتجا بشكل أساسي عن إنفاق المستهلكين الذي دعمه الائتمان الرخيص بعد أن سارت البنوك العامة على نهج البنك المركزي من خلال خفض أسعار الفائدة.

أدى هذا النمو بنسبة ستة في المئة – أعلى بمقدار 0.9 نقطة مئوية مما كان متوقعا – أيضا إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي 0.3 نقطة أعلى من النمو المتوقع.

تراجع دخل الفرد في تركيا إلى 9127 دولارا، أي أقل من 9956 دولارا المسجلة في عام 2007 وبعيدا جدا عن الذروة في عام 2013 والتي بلغت 12480 دولارا
لكن في حين أدى ذلك إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لتركيا إلى 4.28 تريليون ليرة، فقد تقلص الاقتصاد فعليا بمقدار حوالي 35 مليار دولار إلى 753.6 مليار دولار مقارنة بعام 2018.

وقد كان تأثير الائتمان الرخيص على قطاع الصناعات التحويلية في تركيا واضحا، فقد نما هذا القطاع بنسبة 5.9 في المئة في الربع الأخير من عام 2019، إذ وصل إلى أعلى معدل نمو خلال عامين وساهم بنسبة 1.15 نقطة مئوية في النمو الاقتصادي الأوسع. وشهدت عمليات الائتمان والبنوك والتمويل والتأمين نموا بنسبة 24.2 في المئة خلال نفس الفترة وساهمت بنحو 0.79 نقطة.

وكان هذا في نهاية المطاف بفضل إجراءات البنك المركزي التي خفضت أسعار الفائدة والتي شجعت الطلب على كل من الائتمان الاستهلاكي والتجاري. ومع ذلك، لم يكن الائتمان الرخيص قادرا على وقف تراجع قطاع البناء في تركيا، والذي تقلص بنسبة 3.8 في المئة في الربع الأخير من عام 2019.

وقابل ذلك زيادة بنسبة 6.8 في المئة في الإنفاق الاستهلاكي مدعومة بزيادة الائتمان الرخيص، مما ساهم بنسبة 3.9 نقطة مئوية في نمو الربع الأخير.

وفي الوقت نفسه، أدى نمو الصناعات التحويلية والإنفاق الاستهلاكي إلى زيادة بنسبة 29.3 في المئة في الواردات خلال تلك الفترة. ومع ذلك، فشلت الصادرات في الحفاظ على وتيرتها، إذ ارتفعت بنسبة 4.4 في المئة فحسب. يشير هذا إلى أن عجز الحساب الجاري المزمن في تركيا قد يعود مع الانتقام في عام 2020، بعد فترة طويلة من تسجيل فوائض في عام 2019 إذ واصلت البلاد تحمل الآثار المترتبة على أزمة العملة التي حدثت في العام السابق.

وفي ظل انخفاض أسعار الفائدة على شراء السيارات والرهون العقارية والإنفاق الاستهلاكي، ليس من المستغرب أن هذه المجالات الثلاثة غذت النمو في الربع الأخير. وبالتالي، ارتفع الإنفاق على السلع الاستهلاكية المعمرة بنسبة 15.7 في المئة، في حين ارتفع الإنفاق على السلع غير المعمرة بنسبة 17.6 في المئة. كما شهد قطاع الخدمات، الذي يشمل صناعة السياحة المربحة في تركيا، نموا بنسبة 21.1 في المئة خلال تلك الفترة.

كان كل هذا مدفوعا بمحاولات الحكومة لتحفيز الاقتصاد من خلال تخفيضات أسعار الفائدة بشكل متتال، والتي أدت إلى انخفاض سعر الفائدة الحقيقي في تركيا في يناير، عندما خفض البنك المركزي سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس إلى 11.25 في المئة، مما يجعله أقل من معدل التضخم البالغ 11.84 في المئة في ديسمبر. ومع خفض أسعار الفائدة إلى أدنى حد ممكن، وإعفاءات الحكومة من ضريبة القيمة المضافة على المنتجات بما في ذلك السلع المنزلية المعمرة والأثاث، كانت هناك زيادة بنسبة ستة في المئة في الائتمان الذي قدمته البنوك العامة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2019.

تراجع النمو الاقتصادي في تركيا إلى المستوى الذي وصل إليه آخر مرة في الأزمة المالية في عامي 2008 و2009
لكن على الرغم من كل هذا، فإن النمو بنسبة 0.9 في المئة المسجل العام الماضي هو من بين أدنى المعدلات في عهد حزب العدالة والتنمية المستمر منذ 19 عاما. هذا النمو أعلى قليلا من نمو بنسبة 0.8 في المئة في عام 2008، عندما اندلعت الأزمة المالية العالمية. وفي العام التالي، انكمش الاقتصاد التركي بنسبة 4.7 في المئة.

ويعني هذا أن إصرار الحكومة على عدم وجود سبب يدعو إلى القلق بشأن الاقتصاد التركي يظل أجوف. لقد فعلت الحكومة كل ما في وسعها لتحقيق نمو بنسبة 0.9 في المئة العام الماضي، وما زالت لم تصل إلى مستويات الأزمة الماضية. هذا وحده دليل ملموس على أن تركيا تمر حاليا بأزمة اقتصادية حادة.

وعلى نحو مماثل، تراجع دخل الفرد في تركيا إلى 9127 دولارا، أي أقل من 9956 دولارا المسجلة في عام 2007 وبعيدا جدا عن الذروة في عام 2013 والتي بلغت 12480 دولارا.

علاوة على ذلك، فإن “انفجار” النمو بنسبة ستة في المئة الذي أشاد به البيرق يمثل رقما كبيرا بفعل تشويه رقم التضخم الشهري، فقد انكمش الاقتصاد بنسبة 2.8 في المئة خلال نفس الفترة من عام 2018 في أعقاب أزمة العملة.

وهذا التشويه في رقم التضخم الشهري هو الحقيقة الخفية وراء الأخبار المتفائلة للوزير عن النمو الاقتصادي الذي شهد انخفاض نصيب الفرد من الدخل في تركيا إلى أدنى مستوياته منذ 12 عاما.

علاوة على ذلك، لم يتحقق معدل النمو من خلال الاستثمار الجديد أو التصنيع أو التوظيف، ولكن من خلال الائتمان الرخيص المقدم من البنوك العامة.

المصدر
العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى