تكنولوجيا

مراجعة Twin Mirror

خاص | أحمد سامي

كان 2020 عامًا مليئًا بالتقلبات الواضحة في صناعة ألعاب الفيديو، ولم تصدر ألعاب كثيرة بسبب فيروس كورونا. إلا أن هذا لم يمنع استرداد الصناعة لعافيتها في الأواخر فعلًا، وتقديم أعمال مذهلة على صعيد الجرافيك، الحبكة، وكذلك الاهتمام بأدق أدق التفاصيل في كافة العناصر الفنية الأخرى.

واحدة من الألعاب التي بحق تختم العام بخاتمة جيدة، هي لعبة Twin Mirrors من تطوير استوديو DONTNOD Entertainment ونشر بانداي نامكو العريقة في المجال. وبالرغم من شكاوى بعض اللاعبين بخصوص ألعابها السابقة من حيث آليات الحركة والفتور العام في العنصر البصري، إلا أن هذا لم يمنعها من تقديم هذه اللعبة التي فعلًا تأخذ كل شيء إلى مستوى آخر تمامًا، مع وجود بعض السقطات الملحوظة.

إنها لعبة عن الماضي الذي نريد نسيانه، الحاضر الذي بالكاد نعايش معه، والمستقبل الذي لا نريد أن نستشرفه حتى.

عالم القصة طبيعي وتقليدي ومألوف للجميع، مجرد مدينة نائية في ضواحي واحدة من المقاطعات الكُبرى في الولايات المتحدة الأمريكية. مشتهرة بالغابات والطرق الجبلية الوعرة ذات المناظر الطبيعية المبهرة من كل مكان تقريبًا، وليس القمم العُليا فقط.

بطل الأحداث هو ساميول هيجز، متخصص التحقيقات الصحفية الذي ترك المدينة منذ عامين بعد أن كتب مقالة عن سوء معاملة منجم المدينة للعمّال، حتى أن أحدهم فقد قدمه أثناء العمل، فبناء عليه تم غلق المنجم أسرع من المتوقع، فكرهه الجميع نظرًا لشروع البطالة في الظهور بحواري وأزقة البلدة. لكنه الآن عاد مرة أخرى إلى أكثر الأماكن المكروه فيها، فقط لحضور حفل تأبين صديقه الراحل، نِك.

بينما يحاول البطل مغالبة نفسه والتعامل مع الجميع، يُفاجأ أن ابنة صديقه تقول له إن موت والدها في حادث سير أمر غير منطقي على الإطلاق، وأن ما حدث ربما مُلفق، وأنه بشكلٍ ما قُتل، وليس الأمر طبيعيًّا أو مجرد صدفة. هنا تعود روح المحقق مرة أخرى إلى جسد صديقنا الفارّ، ورغبة البحث في الأمر قهرية هذه المرة نظرًا لأن الضحية صديق الطفولة، وكذلك الأب الروحي للفتاة المسكينة التي تتحدث إليه.

لبدء التحقيقات، على البطل استدعاء نصفه الآخر، ضميره الحاكم الناطق، وصديقه الأثير الذي لا يستغني عنه، إنه المرآة التي يرى فيها نفسه الأحكم والأرزق والأرصن، إنه التوأم. شخصية خيالية يتحدث إليها بدلًا من التحدث للآخرين، وتقوده في كافة مناحي الحياة.

فهل سيعرف حقيقة وفاة صديقه في النهاية؟

ربما تبدو اللعبة بسيطة جدًا لتتم كتابة سطور كثيرة وطويلة فيها، لكن في الواقع هي العكس تمامًا، لعبة Twin Mirror كبيرة وعملاقة جدًا من حيث مدة اللعب، منحنيات القصة، الأجواء، طريقة التقدم في الأحداث، الجوانب المثيرة في آليات التفاعل مع مفردات البيئة، وكذلك خيوط القصة المتداخلة مع كل مرحلة جديدة منها.

القصة أشبه بمتاهة، لكن المميز فيها هو أنها خادعة، ويتغير نمط مساراتها مع كل منعطف جديد تدخله بمحض إرادتك. اللعبة بالكامل مبنية على الاختيارات، إذا اخترت البوح بسرٍ ما لأحدهم، لا تتوقع أن يمر السر مرور الكرام – حتى ولو أظهرت الشخصية الأخرى أنه ليس بالحدث الجلل – حيث إنه في النهاية سيؤثر كل شيء عليك، ومع كل اختيار جديد، ستبدأ أنماط المتاهة في التغير، وخيوط القصة في الغزل خيطًا خلف الآخر، لتصنع لك في النهاية حُلَّة تليق بك.

وصدقًا، سواء كانت الحلة مزينة بالجواهر أو مصبوغة بالدماء، ستجدها مناسبة لك بالضبط. على الإنسان أن يتحمل نتيجة قراراته، ولهذا اللعبة تكشف للاعب نفسه الحقيقية، حتى بالرغم من تذاكيه عليها. يمكن للاعب اختيار أشياء معينة لصنع مسارات معينة مختلفة تمامًا عن الذي قد يفعله في الحياة الواقعية، لكن ستأتي مراحل معينة تُجبره على أخذ قرارات كان يريد أخذها منذ البداية.

لذلك فعلًا اللعبة خادعة، مهما كانت خياراتك تلقائية أو مزيفة، يمكن أن تصير النهاية مختلفة تمامًا عمّا تريد أو تتوقع. لكن من الناحية الأخرى، التعقيد الذي يُغلف الأحجية يتعارض بالكامل مع أسلوب اللعب نفسه، والذي يحمل بين طياته أقصى أمارات السهولة واليُسر.

أيضًا التفاعل مع مفردات البيئة من حول اللاعب سهل وبسيط، يعتمد بالكامل على تركيز انتباه الكاميرا على شيء معين، ثم ظهور خيارات التحكم التي تكون متغيرة بتغير الشيء نفسه. لكن التفاعل في العالم الواقعي شيء، والتفاعل في “قصر العقل” شيء آخر تمامًا، فما هو هذا القصر الغريب؟

هذا مصطلح في الأغلب مأخوذ من سلسلة روايات شيرلوك هولمز الشهيرة، حيث كان يصنع لنفسه قصرًا في دماغه يسميه Mind Palace، ويحتفظ فيه بالذكريات ويجلس فيه لحل المشاكل وتحليل مسارح الجريمة أيضًا.

لكن على عكس روايات شيرلوك، فاعتمدت اللعبة على إدخال اللاعب في ذلك القصر على مستوى أحداث اللعبة بشكلٍ عام، وليس في وقت الأحداث المهمة فقط. فيمكن أن تذهب هناك لتحل لغز كروت ورقية مثلًا لمجرد التسلية، أو فعلًا تذهب لجمع قطع أحجية مسرح جريمة كبير.

المشكلة الوحيدة هي الميزة الوحيدة في نفس الوقت: التنوع الشديد. يمكن القَول إن تشعّب القصة في أكثر مسار، أجبرها على الحياد قليلًا عن المسارات التي تجعلها فعلًا لعبة جاذبة للانتباه لفترة طويلة. بعض مسارات القصة غير محبوكة بالقدر الذي يجعلها مثيرة كما البداية، هذا يؤثر سلبًا بالطبع على تجربة اللعب خصوصًا أن اللعبة طويلة حقًا، وذلك الطول يستوجب وجود عناصر جذب كبيرة، وتلك افتقرت لها مع مرور الوقت للأسف.

على عكس المتوقع في هذه النوعية من ألعاب التحقيقات، فالجرافيك فعلًا ليس بالسيء على الإطلاق، حتى أنه قوي لدرجة حدوث Lag على الحاسوب الشخصي عند الانتقال من مشهد جرافيكي بسيط إلى آخر مليء بالتفاصيل.

هناك تباين ملحوظ في التفاصيل بين الشخصيات والبيئة، وكأن الفريق الذي عمل على صنع تفاصيل البيئة ذات خبرة أكبر بكثير من الذي عمل على تصاميم الشخصيات، وخصوصًا الوجوه. هاك فقر واضح في تفاصيل العيون والأنوف، بجانب وجود تداخل مزعج بين أوراق الأشجار وشعر البطل في بعض المشاهد ذات الإضاءة القوية.

كما أن التحريك لم يكن جيدًا، بطيء للغاية وغير واقعي بالمرة، وهذا كان واضحًا بفضل الكاميرا التي حرصت على الاقتراب بشدة من البطل بمثابة ثابتة لا تتغير، ولا تتيح للاعب حرية الحصول على مجال رؤية مريح لعينه. ولهذا تجربة اللعب ستكون طبيعية فقط في حالة تشغيل اللعبة على شاشات عرض عملاقة، وهذا عيب قاتل.

الصوتيات طاغية، أجل هي جيدة، لكن طاغية.

هناك مشاهد كان يجب أن تبقى صامتة تمامًا، الإخراج السينمائي الذي اعتمدت عليه اللعبة يتطلب لحظات صمت، لكنها كانت محدودة جدًا وتقريبًا غير موجودة.

وإذا لم تكن هناك مقطوعة موسيقية صادحة في الأجواء، فهناك أصوات البيئة بالعصافير وحفيف أوراق الشجر أو حتى ثرثرة الناس على نواصي الشوارع وطاولات المقاهي الشعبية، وكلها غير مريحة بهذا القدر من التركيز الشديد عليها.

انعدام الصوتيات عنصر تجميلي لتجربة اللعب أجل، لكن لا يعني أن المقطوعات سيئة، فبالعكس، صدورها في مشاهد درامية معينة كان بمثابة الشرارة التي تدفعك إما للبكاء أو الارتعاد خوفًا. لكن مرة أخرى، التوازن بين فترات الصمت وفترات الصوت هو أنسب شيء، ولم يتم إعماله في لعبة Twin Mirror.

الخلاصة :لعبة Twin Mirror تجربة مثيرة للاهتمام فعلًا، وذات قصة تسحب اللاعب إلى أعماقها بالتدريج. الصوتيات طاغية وفي بعض الأحيان مزعجة، لكن من الناحية الأخرى مناسبة جدًا في المشاهد الدرامية. الجرافيك ممتاز بالنسبة للبيئة، ومتوسط بالنسبة للشخصيات، بينما الحركة خشبية بعض الشيء، والكاميرا قريبة جدًا من البطل مما يجعل مجال الرؤية محدودًا. وبالرغم من كون التجربة انغماسية بشدة، فلم تخلُ أيضًا من سقطات التشعب الزائد عن الحد مثل عدم التركيز على هدف معين، التخبط وإعادة نقاط الحفظ أكثر من مرة، وأيضًا التأرجح بين خيارات لا تستطيع الحكم عليها إذا كانت مختلفة أم متشابهة.

التقييم النهائي : 7/10

[تم توفير هذه اللعبة من الناشر عند صدورها في الأسواق]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى