تكنولوجيا

مراجعة The Medium

خاص | أحمد سامي

هناك الكثير والكثير من الألعاب التي تحاول بشتى الطرق أن تقدم مفهومًا جديدًا للرعب هذه الأيام. فبعد ترك عالم الرعب الذي ابتدعه برام ستوكر في رواية دراكولا الخالدة، عمد صنّاع الأدب والسينما والألعاب على تقديم ألوان مختلفة.

في البداية كان الهدف هو تدمير كلاسيكية الرعب، فأصبحت الوسيلة هي قفزات الرعب المعروفة، أن يقفز شيء ما أمامك فجأة ليجعلك غير قادر على معالجة الموقف بسهولة، فبالتالي يتم إرعابك بكفاءة. نجحت ألعاب كثيرة بهذا المبدأ البسيط فعلًا، وحققت مبيعات جبّارة، وباتت قفزات الرعب هي المناص لكل من يريد تقديم لعبة تدر على الاستوديو المال، حتى ولو كانت قصتها مأساوية.

بينما فكر الجميع في هذه الوسيلة التقليدية للرعب، قرر استوديو  Bloober Team أن يأتي للجمهور بلعبة مميزة للغاية. وهذا بالطبع بعد نجاح مجموعة أعمال مميزة طرحها في الأعوام السابقة، وعلى رأسها سلسلة Observer

لذلك السؤال هنا، هل حققت لعبة The Medium الآمال المرجوة؟ هل كانت هي تجربة الرعب الكلاسيكي التي لم نعاصرها منذ سنين؟ أم كان التطوير سيئًا وصدورها على إكسبوكس والحاسوب فقط كان مخيبًا للآمال وضربة غير موفقة تجاه سوني؟

مراجعة The Medium

لعبة ذات أجواء ديستوبية مستخرجة من رحم عقل الرسام Zdzisław Beksiński، وهو رجل متميز فعلًا بخلق عوالم غريبة لا يمكن فهم ما ترنو إليه أو بالإمكان حتى ربطها بالواقع المعيش بأي شكل من الأشكال. كما أن الموسيقى من تلحين الأصابع التي عملت على تقديم موسيقى Silent Hill الأيقونية. فبالمجمل هي تجربة فريدة ومميزة من الناحية البصرية، فهل البصريات هي كل شيء؟ هل القصة جيدة؟

تبدأ الأحداث مع ماري-آن (ماريان) Marianne، الفتاة الشابة التي للتوّ توفي والدها بالتبني، وعليها أن تتكفل بأمور دفنه. يتصادف أنهما كانا يديران سويًّا دارًا لتغسيل الموتى، وإتمام مراسم الدفن، دار تأبين بمعنى أصح، فكانت أنسب بداية للقصة. تشرع الفتاة في مغالبة نفسها، والذهاب إلى القبو من أجل النظر مرة أخيرة على جثة والدها الراحل، لتعود مجددًا إلى الطابق العلوي بهدف إكمال المراسم.

لكن تُفاجَأ أن التيار الكهربائي انقطع فجأة، وهناك أصوات غريبة بالخارج. مباشرة تصعد السلم لتحاول منع هذا المتطفل الغريب من إفساد خلوتها الحزينة مع الرجل الراحل. لكن لم تعلم أن ما كان في انتظارها هو الرعب بعينه، رعب قادر على إطلاق العنان لقدراتها الذهنية الخاصة مرة أخرى، بعد أن حاولت لسنين وسنين كبحها وعدم استعمالها في التواصل مع الموتى إلا للضرورة القصوى.

فما هي تلك القدرات؟ وما هي حدودها؟ وكيف يمكن لها أن تحيل حياتها جحيمًا بشكلٍ لا تتوقعه على الإطلاق؟

استطاعت اللعبة المزج بين كلاسيكية التجربة، وحداثة آليات التقديم.

هذا الأمر ظهر بشدة في طرح عناصر كلاسيكية للغاية مثل البيوت المهجورة والغرف التي نتوقع ظهور الأشباح فيها، أو حتى الأسلحة التي من الصعب الحصول عليها إلا إذا درنا في المكان أكثر من مرة، وعاصرنا أشياء مرعبة أخرى بالإجبار في المنتصف. بينما العناصر العصرية هي طريقة التفاعل مع مفردات البيئة من حيث الإمساك والعرض في هيئة ثلاثية الأبعاد، حيث يتم النظر إليها عن كثب وبحرية.

لكن بعيدًا عن هذا وذاك، لنتحدث قليلًا عن آلية (التنصيف) التي اعتمد عليها الاستوديو هنا. اللعبة في الأساس موجهة للإكس بوكس X الجديد، بقوته العملاقة على الصعيد الجرافيكي، فبالتالي كان يجب إعمال طريقة جديدة في التجول بالعالم. فكر الاستوديو كثيرًا، ما الذي يجعل أسلوب اللعب مميزًا وفي نفس الوقت يستغل مزايا المحرك الجديد؟ أجل، إنه التنصيف!

في عالم The Medium أنت منقسم بين نصفين فعلًا، الأول هو عالمك الواقعي، والثاني هو مرآة نفس العام، لكن في (وَسط – Medium) الأرواح. وهذه هي فكرة القصة بالكامل، أنت تنتقل من عالمك لعالم الأرواح، والعكس، على الدوام.

مراجعة The Medium

كل منهما لديه نقاط قوة وضعف، وبالتأكيد أماكن لا تستطيع عبورها إلا عبر تشغيل العقل بعض الشيء، ومحاولة استغلال أحدهما لصالح الآخر. فمثلًا لا يمكن فتح أحد الأبواب في عالم الأرواح إلا إذا حصلنا على أداة معينة من العالم الواقعي، لتتجسد بالتبعية في عالم الأرواح، وتستطيع فتح الباب بسهولة.

اعتمد أسلوب اللعب كله على الأحجيات المتشابكة، والتي لن يتم حلها إلا إذا انتقل اللاعب بين العالمين من حينٍ آخر. حتى أنك ستقف أمام بعض الأحاجي لفترة طويلة، حتى تكتشف أن الحل لا يكمن في العالم الآخر، بل في العالم الذي أنت واقف فيه بالفعل. هنا اللعبة اعتمدت على خداع اللاعب لفترة طويلة حتى يعتقد أن دائمًا الحل في الانتقال بين العالمين، وهذه خدعة ذكية لإجباره على الاستمرار في اللعب، محاولًا حلّ العقدة.

لكن بالرغم من الأسلوب الفريق في (التنصيف) سابق الذكر، إلا أن ثبات الكاميرا شيء مأساوي للغاية. أنت تتحرك في العالمين بصورة روبوتية للغاية، أنت مجرد إنسان آلي حركته سلسلة بفضل مجهود المطورين، لكن مساحات حركتك محدودة بشدة، والكاميرا لا تعطيك حرية رؤية أبدًا.

هذا الأمر يتوافق مع كون العالم مغلقًا، هذا منطقي، لكنه أيضًا غير مبرر بالقدر الكافي. الكاميرا الثابتة منعت مجال الرؤية الواسع، منعت استغلال أهم زر في ذراع التحكم، وكذلك منعت سلاسة الحركة إذا كان اللاعب معتادًا على ألعاب العالم المفتوح.

أسلوب اللعب بالمجمل جيد والعالم ممتاز، لكن الكاميرا عنصر قاتل، ولا يمكن غض الطرف عنه أبدًا.

ذكرنا أن تصور العالم مبني على أعمال الفنان العالمي Zdzisław، لكن تجسيد عالمه بالقدر المطلوب هو مهمة المطورين، وعلى وجه التحديد، فريق الجرافيك.

في الواقع، عمل الفريق باحترافية شديدة على هذه اللعبة، المشاهد السينمائية ممتازة، بينما اجرافيك للعبة نفسها يقع بين الجيد والجيد جدًا. لماذا؟ لأن هناك مشاكل وجليتشات بسيطة أثناء صعود السلالم أو الدخول في أحد زوايا الحوائط بشكلٍ غير مقصود، مما يُدخل الأقدام في بعضها البعض، ويدمر التجربة البصرية. فمثلًا الشخصية أمامك معاقة بالكامل، لكن مع ذلك تتلقى الأوامر وتسير في الاتجاه المطلوب، وهذا بالتأكيد أمر سيتم حله بالباتشات مع الوقت.

نقطة أخرى في الجرافيك، الألوان. مستويات التشبع هنا محل خلاف بعض الشيء، اللعبة بالكامل تظهر وكأنها لوحة باهتة، تشبع الألوان غير ملحوظ بنسبة كبيرة، وهذا بهدف جعل العالم الواقعي مشابهًا لعالم الأرواح الذي لا يحتوي إلا على اللونين البرتقالي والأبيض بدرجاتهما تقريبًا.

يمكن للبعض أن يرى الأمر ممتازًا نظرًا لتوافقه مع مبدأ كلاسيكية التجربة (وأنا منهم)، وقد يرى البعض الآخر أن التشبع كان مطلوبًا لإحداث فارق بصري ملحوظ بين العالمين. وفي النهاية يظل عنصرًا لا يمكن الوصول إلى رأي تحليلي قاطع بخصوصه أبدًا.

الصوتيات غير مرعبة، بل حالمة، وهذا أكثر إرعابًا من المقطوعات المباشرة!

التجربة هنا اعتمدت على تقديم مقطوعات موسيقية لا تبث الرعب في نفس اللاعب بمجرد صدوحها بالمشهد، بل مع الوقت. في مقدمة اللعبة ستكون هناك مقطوعة معينة، إنها الثيم الرئيسي، في البداية لن ترعبك، لكن مع الاستمرار في الأحداث، ستشعر بتسرب الرعب إلى داخل عقلك، مدعومًا بالألوان الباهتة والأبواب المغلقة والجثث الطائرة في كل مكان. بناءٌ للرعب النفسي، هذه أنسب عبارة تصف مقطوعات هذه اللعبة فعلًا.

الخلاصة: لعبة The Medium تجربة فريدة، كلاسيكية من الطراز الرفيع، لكن تنقصها بعض العناصر لتكون عبقرية. تنصيف الشاشة بين عالمين فكرة ممتازة، القصة تدفعك للغوص في أعماقها بالتدريج، فبالتالي تشعر بالألفة مع كل الشخصيات الخيالية والواقعية على حدٍ سواء. الجرافيك جيد لكن يحتاج إلى عتاد هاردوير قوي للغاية، والصوتيات مناسبة للحالة الشعورية أيضًا. من الناحية الأخرى، فالجليتشات لا يمكن غض الطرف عنها، والكاميرا الثابتة دمرت التجربة بدرجة كبيرة. بالمجمل اللعبة تستحق اللعب الآن، لكن كان لدى الاستوديو عمل فني يستطيع أن يكتسح به عام 2021، ويبدو أنه فوّت الفرصة للأسف.

التقييم النهائي : 7/10

[تم توفير هذه اللعبة من قبل الناشر عند صدورها في الأسواق]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى