تكنولوجيا

مراجعة The Dark Pictures Anthology: Little Hope

خاص | أحمد سامي

عالم ألعاب الرعب مليء بالأعمال المميزة بدون شك، وكلها مميزة بشكلٍ أو بآخر، ليكون هناك تنوع ملحوظ فيما تفرزه الصناعة كل عام، بل وكل شيء أيضًا. لكن الألعاب كلها في كفة، وسلسلة The Dark Pictures في كفة أخرى تمامًا. صدر الجزء الأول منها في 2019 تحت أسم Man of Medan، وكان له ما له، وعليه ما عليه، لكن أتى الجزء الثاني في 2020، وكان العمل الذي قلب الموازين تمامًا.

السلسلة من تطوير استوديو Supermassive Games ونشر BANDAI NAMCO الشهيرة، وفعلًا تقدم تجربة لعب مختلفة للغاية. فمثلًا ألعاب كثيرة تهتم بالرعب عن طريق القفزات الإرعابية الفجائية، أو تعتمد على الرعب التسارعي الذي يكون فيه اللاعب لاهثًا خلف الأحداث فيكون أقل تغيير طفيف فيها قادرًا على جعله مرتعدًا من منبت الشعر وحتى أخمص القدم، لكن هذه السلسلة مختلفة، خصوصًا مع الجزء الثاني منها تحت عنوان Little Hope.

إذًا ما الذي يجعل الجزء الثاني مميزًا؟  

أحجية جديدة يسردها لنا فريق تطوير السلسلة، وقصة مثيرة للاهتمام تدفعك لحرق الساعة خلف الساعة، غير عابئ بمهامك اليومية، لأن اللعبة فعلًا تستحق أن تقضي فيها وقتًا طويلًا.

القصة هذه المرة مختلفة، وتدور أحداثها في مدينة ليتل هوب، المدينة الصغيرة الأشبه بالقرية، لكن في نفس الوقت بها عشرات العشرات من الأحداث المروعة التي لا يتحملها أهل دول بأكملها. ليتل هوب ليست مجرد مكان تذهب إليه من أجل أخذ طريق مختصر للوصول لوجهتك (كما فعل أبطال القصة في الواقع)، بل هي مكان تذهب إليه للتكفير عن خطاياك، ولتتعلم أن أشباح الماضي لا تترك أحياء الحاضر وشأنهم، بل تتربص بنا جميعًا، منتظرة الفرصة لتنقضّ علينا في أي وقت.

مراجعة The Dark Pictures Anthology: Little Hope

الأمر يمكن إسقاطه على واقعنا المُعاش، فكل أفعالنا حصرًا لها نتائج، وتلك النتائج ملتصقة بنا أبد الدهر، ولن نستطيع تغيير مساراتها. إن الحياة عبارة عن قطار تركبه غير عالم وجهتك، يمكنك التحكم في سرعة القطار ومساراته، لكن بعد اختيار مسار معين، عليك تحمل التبعات.

تبدأ القصة في الماضي، وعلى وجه التحديد في أحد منازل ليتل هوب الذي لا تشعر بأنه غريب بأي حال من الأحوال، مجرد منزل أمريكي تقليدي للغاية، وعائلة مملة إلى أقصى حد. لكن افتتاحية القصة هي المدهشة، فنشرع في بدء الأحداث مع زوج وزوجة يتشاجران بشأن ابنتهما المتبناة التي أثارت انتباه رجل الكنيسة القاطن بالجوار، وأن أفعالها مثيرة للريبة بشكلٍ أو بآخر. ينتج الشِجار عن ذهاب الرجل لاحتساء الجعة أمام التلفاز، ثم الذهاب في نومٍ عميق.

من الناحية الأخرى ينشغل الأبناء في توضيب بعض الأمور في المنزل، والزوجة تحاول أخذ حمامٍ ساخن بعد شجار طويل مع زوجها، لكن الجميع لم يعلموا أن الفتاة ضاقت ذرعًا بمعاملتهم الفظّة لها، وأن هناك برّاد شاي على الموقد، ودمية صغيرة في يدها، ولا أحد تقريبًا يعلم أن بجانبها كائن شيطاني مخيف يغذيها بالأفكار التي ستُحيل حياة تلك العائلة (وحياة كل ما يطأ قدمًا في ليتل هوب) إلى جحيمٍ على الأرض!

القصة مثيرة للاهتمام، ومحبوكة ببراعة، وأيضًا مسرودة بأسلوبٍ شيِّق، لكن في النهاية لا يمكن أن تخلو من بعض السقطات الصغيرة في بعض المسارات السردية، وهذا مُبرر بعض الشيء لكون اللعبة ضخمة في الأساس، وأسلوب الألعاب (المفصلة على خيارات اللاعب) دائمًا ما يجعل الناتج النهائيّ محتويًا على أخطاء مهما راجع الفريق كل شيء مرة واثنين ومليون حتى.

مقارنة بالجزء الأول، فهذه لعبة مختلفة تمامًا، وأكاد أجزم أنها منتمية إلى سلسلة أخرى حتى. التجربة بالكامل في الجزء الثاني (ليتل هوب) أفضل بمراحل من الجزء الأول، حيث إن الأول كان مليئًا بالمشاكل المتعلقة بالإخراج والزوايا، وأيضًا آليات اللعب نفسها من تصوير وحركة، وغيرها من العوامل التي جعلتها تجربة جيدة على صعيد القصة، لكن سيئة تمامًا على صعيد التفاعل. الآن تأتي ليتل هوب لتبث الحياة في السلسلة من جديد، وتُبرهن أن هذه المرة نحن أمام عمل فني من الطراز الرفيع، ويستحق كل دقيقة من وقتك.

مراجعة The Dark Pictures Anthology: Little Hope

ما ميز أسلوب اللعب أنه لم يعد محبوسًا في الأماكن الضيقة، وتلك كانت نقطة اختلف عليها الكثيرون في الجزء الأول، حيث اعتمد على الأماكن الضيقة فقط. هنا نشهد تنوعًا كبيرًا في المساحات، وبنسبة كبيرة الكاميرا كانت مثبتة في زوايا قادرة على إظهار أكبر قدر ممكن من المساحة الجغرافية للمشاهد، هذا عزز من التجربة الانغماسية، وأيضًا أعطى لفريق العمل فرصة لإظهار براعتهم الشديدة في صنع البيئات المختلفة، خصوصًا عندما تكون متلحفة بالسواد ويكون من الصعب عمل موازنة لونية لها.

الحركة باتت أسهل بكثير، كل ما عليك فعله هو النقر على المكان الذي تريد الذهاب إليه، وستذهب الشخصية مباشرة إليه، بدلًا من محاولة التجول بلوحة المفاتيح أو ذراع التحكم، الوضع الذي كان مأساويًّا في الجزء الأول. بالطبع الأمر لديه نقاط ضعفه أيضًا، مثل الشخصيات التي تأخذ وقتًا لتتدارك في أي اتجاه عليها أن تمضي، خصوصًا إذا كانت تتجول في منزل صغير أو قريبا من منعطفات حادة.

وبعيدًا عن الحركة، الشخصيات ساحرة ومحبوكة سرديًّا إلى أقصى حد، خصوصًا أن شخصية منهم مبنية على ممثل حقيقي، ألا وهو Will Poulter الذي قام بأدوار سينمائية كثيرة في الماضي. كان دور الممثل هو القيام بالأداء الصوتي والحركي، فبالتالي يستطيع فريق التطوير صناعة الشخصية بتقنية التقاط الحركة – Motion-Capture الشهيرة، وبالفعل، النتيجة كانت مبهرة للغاية. لكن هذا في النهاية لا يشفع لكَون التقنية غير متقنة في بعض المشاهد التي كانت فيها الحركات غير منطقية بعض الشيء، والقطع السينمائي بين المشاهد كان غريبًا.

مراجعة The Dark Pictures Anthology: Little Hope

أما من حيث الشخصيات، فإذا وضعنا الشخصيات كلها في جانب، فستكون شخصية الأمين – The Curator وحدها في جانب آخر تمامًا. الأداء الصوتي والحركي، مصحوبان بالظهور المحدود له على مدار الأحداث، أعطاه كاريزما طاغية لا يمكن لأحد أن ينكر فضلها على إطالة وقت اللعب، فقط من أجل ظهوره من أخرى والاستمتاع بحديثه.

أما بالنسبة للجزء الأهم، فليتل هوب اهتمت جدًا بالعرب، وقدمت ترجمة عربية احترافية للغاية، وعلى مدار اللعب لم تُكتب كلمة في غير محلها، ولم تكن هناك نصوص معكوسة، أو حتى ترجمات حرفية، كما هو الحال مع ألعاب أخرى وحتى مع استوديوهات عملاقة. العيب الوحيد فيها فقط هو صِغر حجم الخط للغاية، ولا توجد خيارات تمكنك من تكبيره.

هذا أحد أهم وأبرز الجوانب في اللعبة بالكامل، المفترض أن تكون هذه اللعبة واحدة من الخواتيم الخاصة بالجيل القديم للألعاب، لكن المستوى الجرافيكي الذي ظهرت به برهن وبشدة أنها حتمًا تصلح للجيل الجديد. الاهتمام بأصغر الصغائر في تفاصيل العالم مذهل جدًا، الشخصيات وجوهها مرسومة ومُحركة بدرجة عالية من الاحترافية، حتى قرنية العين تظهر مع أقل مستوى جرافيك!

كما أن البيئة غنية بالتفاصيل التي لن تمل منها، وهذا بالرغم من أنها ليست لعبة عالم مفتوح من الأساس. الشيء الوحيد الذي قد يمنع اللاعب من الاستماع بالتفاصيل، هو عدم وجود خاصية تقريب للكاميرا، فالمجال البصري – Field of View يظل ثابتًا في المشهد الواحد، دون وجود آلية لتغييره سواء بالتقريب أو البُعد عن الشيء. هذا ضيع فرصة الاستمتاع بتفاصيل البيئة والوجوه، لكن على كلٍ، فالمستوى العام للجرافيك يشفع لتلك السقطة البسيطة.

في الجزء السابق كان توظيف الصوتيات مبالغًا فيه، الآن الوضع أهدأ بكثير.

بالطبع لا يمكن القول إن المقطوعات نفسها كانت جبّارة، كنت أتوقع الأفضل من ذلك فعلًا، لكن من الناحية الأخرى فالتوظيف الخاص بها ممتاز، وظهرت في أماكنها المضبوطة. عملت المقطوعات على تعزيز الحالة الشعورية من التوجس والقلق على الدوام، خصوصًا أنها متنوعة، وتفصلها مسافات حوارية وفترات صمت طويلة، مما يجعل التجربة ككل مرعبة للغاية.

الخلاصة :لعبة The Dark Pictures Anthology: Little Hope بدون شك هي نقلة نوعية في السلسلة نفسها، وفيها تفوق الاستوديو على نفسه، وقدّم لنا تجربة رعب ممتازة، تشعر فيها بالقلق والتوجس مع كل خطوة تخطوها في مدينة ليتل هوب المشؤومة. قصة متماسكة، جرافيك يرقى لمستوى الجيل الجديد، وصوتيات أخيرًا عرف المطورون كيف يوظفونها بشكلٍ صحيح. آليات الحركة موزونة بالرغم من بعض أخطاء التوجيه بداخل برمجة اللعبة، أيضًا الزوايا السينمائية أعطت بعدًا بصريًّا عميقًا للمشاهد، وهذا عزز من تجربة اللعب جدًا. بالمجمل عودة لا يمكن إنكار قوتها للسلسلة، ويبدو أنها تمهد الطريق لأجزاء أقوى في المستقبل.

التقييم النهائي : 8/10

[تم توفير هذه اللعبة من قبل الناشر بعد صدورها في الأسواق]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى