تكنولوجيا

مراجعة The Dark Pictures Anthology: House of Ashes

خاص | أحمد سامي

يعمل صناع الألعاب على تقديم الكثير من الأعمال المميزة على الدوام، وهذا لأن الصناعة لا ترحم أحدًا، والتكنولوجيا المتطورة على مدار الساعة تخلق حاجة سوقية إلى ألعاب تتلاءم معها، وبالتبعية تُكسب أصحابها الدولار خلف الدولار.

صناعة الألعاب رأسمالية بحتة، هذه حقيقة يستحيل أن ننكرها، لكن من الناحية الأخرى؛ لا ضير من أن نمزج شغفنا تجاه الألعاب، بالرغبة في تحقيق الربح.

وهنا ظهرت سلسلة ألعاب The Dark Pictures Anthology لأول مرة منذ سنوات، وحاليًّا نحن أمام أحدث فصولها!

أجل، فصول؛ لأن القصة عبارة عن كتب منفصلة تقوم أنت بإخراج أحداثها بعين الصانع الذي ربما يُخطئ وربما يُصيب، ولن ينجو أو يموت إلا أبطال القصة. تندرج السلسلة أسفل شريحة الرعب، لكن مع صدور الأجزاء، بدأت تيمة الرعب في التراجع بعض الشيء في مقابل السرد السينمائي، هذا قد يُزعج هواة الرعب، لكنه سيُفرح بلا شك جميع هواة صناعة السينما، وأنا من بينهم بالطبع.

فصل House of Ashes؛ هو أحدث إنتاجات السلسلة حتى اللحظة، صدر في 2021 على يد Bandai Namco العريقة كموزع، واستوديو Supermassive Games كمطور كالعادةـ، وهذا لمختلف منصات اللعب.

جديرٌ بالذكر أن اللعبة الأولى أتت باسم Man of Medan في عام 2019، والثانية باسم Little Hope في عام 2020. الاستوديو يسير بخُطى إصدار جزء جديد كل عام.

والآن، هل ارتقت اللعبة الجديدة لمستوى التوقّعات؟

مراجعة The Dark Pictures Anthology: House of Ashes

جميع فصول عالم اللعبة؛ مختلفة عن بعضها البعض، إلا أن الصانع واحد، وسارد القصص واحد أيضًا.

هذه المرة يأخذك السارد “Curator” من جديد في رحلة هو من قام بنسج خيوطها بدقة شديدة، تاركًا مقاليد الأمور في يد.

تتمحور القصة المثيرة حول الجيش الأمريكي والعراقي في فترة دخول الولايات المتحدة الأمريكية في العراق للقبض على الرئيس صدام حسين، وتأمين الأسلحة النووية التي أفادت تقارير الولايات المتحدة بوجودها في أراضي العراق.

تبدأ الأحداث في التصاعد عند وصول الرقيب كينج إلى أرض العراق لبدء البحث في المكان الذي التقطه قمره الصناعي منذ فترة؛ فمن المتوقّع أن يكون المكان الذي يُخبئ فيه صدام أسلحته النووية المزعومة؛ ولهذا انطلقت فرقة صغيرة من الجيش الأمريكي إلى البقعة، لكن كان الجيش العراقي متابعًا لما يحدث وهاجم الفرقة، ثم انفجر كل شيء أسفلهم ليُبتلعوا في جوف الأرض.

إنه معبدٌ قديمٌ لحضارة عتيقة عبدت إلهاً شيطانيّاً، لكن انقلبت الأمور رأسًا على عقب، وظل الشر محبوساً في انتظار دماء بشرية جديدة، وها قد أتت إليه أخيرًا، دماء أمريكية وعراقية دفعة واحدة!

عليك التجول في دهاليز المعبد القديم، مستكشفاً شراذم قوى شيطانية حكمت باطن الأرض لسنين خلف سنين دون أن يعلم الجنس البشري عنها شيئاً، فهل أنت أهل للملحمة الجديدة؟

الأسلوب الخاص بالتنقل بين الشخصيات واستخدام الأسلحة ومتابعة ما يحدث سينمائيّاً على الشاشة، عبقريّ بكل ما تحمل الكلمة من معنى، على أقل تقدير بالمقارنة مع الجزئيْن السابقيْن في السلسلة.

هذه المرة؛ نحن أمام قدرة كاملة واحترافية على التحكم في الكاميرا لكل شخصية؛ في السابق كانت الحركة بالكاميرا من أسوأ ما يكون، يبدو أن الاستوديو استمع إلى شكاوى اللاعبين بالفعل، ممتاز.

أما من ناحية اللعب بالشخصيات نفسها؛ فأنت تتنقل من شخصية إلى أخرى مع الوقت (كعادة السلسلة)، لكن هذه المرة أنت تقضي وقتًا أطول مع كل شخصية بشكلٍ منفرد، مما يعزز من ارتباطك بها.

وفي الوقت نفسه أنت لا تلعب بشخصية لفترة أطول من أخرى، فبالتالي ستصير محتاراً بشدة عندما تقوم بخيارات مصيرية تجاه إحداها، لأنك ستكون قد تعلقت بها كلها بالفعل؛ يا لها من أزمة.

من الصعب جداً أن تقوم بخيار سريع، وإذا لم تختر بسرعة لن تكون سعيداً بالنتيجة التي تقررها اللعبة بدلًا عنك، لأن الخيار الذي يمكن أن تحدده أنت “والذي في الغالب يكون صاحب أعلى نسبة صعوبة أو تأثير سلبي عليك أنت كلاعب” في الغالب سيكون هو المطلوب لتغيير مسار القصة نحو الأفضل.

تذكر أن السارد يقول لك في كل مرة يراك فيها أمراً معيناً قادراً على مساعدتك في إخراج القصة بصورة تجعل من أكبر عدد ممكن من الأبطال قادرًا على الخروج من الجحيم بسلام، كما أن اللعبة مترجمة إلى العربية باحترافية، وهذا شيء يُحسب للاستوديو.

مراجعة The Dark Pictures Anthology: House of Ashes

المشكلة الوحيدة في أسلوب اللعب هي عدم التركيز على العلاقات البشرية بين الشخصيات نفسها.

انصب تركيز فريق عمل اللعبة على إدخالك في حياة كل شخصية بشكلٍ منفرد، دون أن يترك دلائل صغيرة أو عبارات “طويلة” تؤجج بداخلك الاهتمام بعلاقة هذه الشخصية بتلك.

علاقات الشخصيات وبعضها البعض تؤثر طرديّاً على خياراتك، هذا أمر محسوم، لكن قرر المطورون أن تكون الخيارات نابعة عن تقييمك للشخصيات، وليس تقييمك لرغبة بعض الشخصيات في البقاء مع بعضها البعض من العدم.

هذا الأمر كان ليَجعل اللعبة أكثر ضراوة على الصعيد النفسي، لكن ما حدث قد حدث، ربما يتم العمل عليه في الجزء القادم الذي تم الإعلان عنه بالفعل.

بالرغم من الضيق الملحوظ في مختلف الأماكن التي تتجول فيها الشخصيات باستمرار، إلا أن هناك الكثير والكثير من المساحات الواسعة في خريطة اللعبة، وتلك المساحات الواسعة مصنوعة باحترافية جرافيكية ملحوظة فعلًا. تم تصميم التماثيل، الصخور، الرمال، البشر، الكائنات الشيطانية، وغير ذلك، كلها بطريقة تُبرز التضاد اللوني بين الجانب اللامع والقاتم من الألوان، فإذا كان هناك أصفر لامع، يجب أن يكون هناك أسود قاتم، إذا كان هناك لون أحمر بارز في المشهد، يجب أن يكون هناك خليط بين الأسود والأصفر في جانبٍ ما من المشهد.

التراكيب اللونية بديعة للغاية في هذا الفصل من عالم اللعبة، ولهذا يمكن القول إن اللون لعب دورًا جبّارًا في تعزيز الرؤية السينمائية للمشاهد؛ خصوصًا أن اللعبة ما هي إلا مشاهد سينمائية على الدوام، تتخللها بعض مقاطع أسلوب اللعب المحدودة، فلا يجب أن يخرج الفيلم السينمائي بصورة سيئة، أليس كذلك؟

لكن (على أقل تقدير بالنسبة لنسخة المراجعة التي تحصل عليها تلفاز “218” من الناشر) مشاكل تداخل الشخصيات في الصخور من حولها كانت موجودة بشكلٍ ملحوظ فعلًا، هذا إلا لم يستطع اللاعب التحكم في الكاميرا بالشكل المنوط أن يتم التحكم فيها به من الأساس، ليست مشكلة مدمرة لتجربة اللعب وتم حلها في النسخة النهائية من اللعبة.

مراجعة The Dark Pictures Anthology: House of Ashes

الموسيقى عنصر رئيس في عالم اللعبة، تمكنت من تأجيج الحالة الشعورية وإدخال اللاعب في عالم القصة، خصوصًا أن القصة مسرودة على أكثر من محور زمني، وجميعها متداخلة إما في صورة مشاهد سينمائية تحدث في وقت سردها، أو تحدث في الماضي أثناء عرض فلاش باك.

كما أن الصوتيات ساعدت على صنع الفور شادوينج في عالم القصة، فإن هناك صرخات معينة يسمعها اللاعب في بداية القصة (بالمحور المفترض أنه في الماضي)، ستتكرر بدورها بصورة معينة لاحقًا (بالمحور المفترض أنه في الحاضر).

وقلنا هنا “المفترض” لأنه مع التقدم في الأحداث؛ ستفقد حتماً تمييزك الماضي عن الحاضر.

أنت في هذا الجحيم… وحدك!

الخلاصة: استطاعت لعبة House of Ashes أن تقدم توليفة مميزة من القصة القادرة على سحبك إلى الجحيم وتركك هناك بمفردك، أسلوب اللعب المحسن بشدة مقارنة بالجزئيْن السابقيْن في السلسلة، جرافيك ممتاز وصاحب رؤية سينمائية مذهلة، وأخيراً صوتيات خدمت القصة بقوة وتدخلك في القصة بشكلٍ لا يمكنك مقاومته. إلا أن عالم اللعبة لم يخلُ من عدم اهتمام فريق التطوير بعلاقات الشخصيات مع بعضها البعض من جهة، وبعض المشاكل التداخلية بين مجسمات الشخصيات والصخور في النسخة الأولى للعبة من جهة أخرى.

التقييم النهائي : 7/10

[تم توفير هذه اللعبة من قبل الناشر عند صدورها في الأسواق]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى