تكنولوجيا

مراجعة Little Nightmares 2

خاص | أحمد سامي

هناك الكثير من الألعاب التي يجب أن تضعها في الحسبان عندما تأتي على ذكر تصنيف الديستوبيا في ألعاب الفيديو. وذلك لكون الصناعة لم تستطع احتراف تقديم ألعاب ذلك التصنيف إلا في بعض العناوين فقط.

في الماضي، كان التصنيف مقتصرًا على الألعاب ذات الميزانيات الضخمة، أو ما نطلق عليها AAA، لكن هذه الأيام يبدو أن الوضع مختلف، حيث ظهر الاختلاف جليًّا على السطح عندما صدرت لعبة Little Nightmares في 2017 لتكون هي النقلة النوعية للتصنيف، والمغيرة لمفهوم المطورين واللاعبين عنه بشكلٍ عام.

قدمت اللعبة مفهوم الديستوبيا بشكلٍ غير متوقع، ابتعد المطورون عن المغالاة في الجرافيك، الاهتمام الدقيق بالتفاصيل، أو الانغماس الشديد في تصميم الشخصيات. كل ما قدموه هو قصة جيدة وصلبة، مصحوبة ببعض الفنيّات البسيطة في إعمال الإضاءة واستغلال الظلال الناتجة عن توزيعها ببراعة، كل هذا قدم لنا تجربة مثيرة للاهتمام فعلًا.

والآن بعد مرور ثلاث سنوات بالتمام والكمال على تحفتهم الأولى، يقدم لنا فريق BANDAI NAMCO الجزء الثاني من التحفة الخالدة، Little Nightmares.

فماذا في جعبة الاستوديو بعد هذا الغياب الطويل؟

مثل الجزء السابق من سلسلة الألعاب، أنت تبدأ حياتك في هذا العالم الديستوبي مع شخصية طفل صغير، بينما كل شيء حوله كبير وضخم. التباين في الأحجام واضح للغاية، وذلك بهدف إعمال مبدأ الإرعاب من هول تنكيل الكيانات العملاقة ببطل اللعبة، وهذه لمسة مميزة لتوطيد القصة وجعل هالة الرعب أكبر وأقوى.

البطل هذه المرة هو (مونو)، فتى صغير يرتدي على رأسه صندوقًا ورقيًّا يخفي ما أسفله (لسبب ما، أو لغير سبب ربما؟!)، فجأة وجد نفسه في قلب غابة لا يستطيع العودة فيها للوراء، فبات شغله الشاغل هو التقدم للأمام مهما كلفه الأمر. العالم من حوله سوداوي وقاتم، ربما تمطر وربما لا تمطر، لكن في الحالتين هناك أهوال في انتظاره مع كل خطوة.

في مرة يصادف مصائد حيوانات بريّة تنهش جسده الصغير، وفي مرة أخرى يتعامل مع رجال مرعبين يحملون البنادق الضخمة التي تستطيع الفتك به من مجرد صوت تلقيم السلاح. وبين هذا وذاك لا يجد له معينًا في هذا العالم إلا فتاة صغيرة مثله، وجدها في أحلك الظروف وأسوأها، إنها الفتاة Six، بطلة الجزء السابق من سلسلة الألعاب.

في هذا الجزء تحاول Six أن تساعد بطلنا الصغير بكل وسيلة ممكنة، وفي بعض الأحيان تقوم هي بحل المعضلات الكبيرة في عالم Little Nightmares، جاعلة بذلك البطل مجرد تلميذ عليه أن ينظر إليها بثبات، ويتعلم فنّ النجاة في عالمٍ لا يرحم.

لكن بالرغم من المساعدة التي تقدمها الفتاة الصغيرة، إلا أن العالم به هذه المرة شيء غريب يجعل كل شيء فيه خاليًا من الألوان، الحياة لم تطأ هذه الأرض أبدًا، أم ربما وطأت وتم إزهاقها بشيء ما؟ ما الشيء الذي أزهقها؟ وكيف سيؤثر على بطلينا الأثيرين؟ هذا ما تحاول اللعبة الإجابة عنه.

لكن احذروا.. الخطر يتربص بكم في كل جانب!

مقارنة بالجزء السابق من اللعبة، فهذه المرة لدينا قطع كثيرة جدًا في الأحجية.

في السابق كانت اللعبة نوعًا ما قصيرة للغاية، العالم ممتع ويسحبك إلى أعماقه بالتدريج، لكن قِصر الأحداث وقلة الألغاز جعل من اللعبة فرصة ضائعة من الاستوديو.

ولذلك قرر المطورون أن الخطأ لا يجب تكراره مرة أخرى، وقدمت هذه المرة أحجية عملاقة، قطعها متناثرة في كل شبر بهذا العالم الديستوبي. حيث أن مدة اللعب في الجزء الثاني هي ببساطة ضعف مدة لعب الجزء الأول، وربما أكثر بقليل.

وليس هذا الشيء الوحيد الذي يميز الجزء الثاني عن الأول، هنا لدينا عنصر جديد ومميز للغاية، عنصر” انغماسي” بعض الشيء، وجدير بالاهتمام جدًا: القتال!

هذه المرة نستطيع أخيرًا الدفاع عن أنفسنا في هذا العالم المرعب والعجيب، في السابق كان الأمر شبه مستحيل، وكل ما علينا فعله هو الهرب فقط من الأهوال التي نصادفها. لكن في الجزء الثاني نستطيع حمل الأسلحة، التصويب بالأسلحة، وكذلك ضرب النيران بالأسلحة.

لكن الخدعة في شيء، تلك الأدوات الحادة والقاتلة كلها أكبر بكثير من حجم الفتى (مونو) الصغير، ولذلك حتى إن ساعدته Six، فالحمل والتصويب بقوة يعتبر أمرين صعبين، ولذلك يجب عليك التركيز جدًا أثناء حملها، إما أن تصوب بدقة وتنقذ نفسك ورفيقتك، أو تموت لتعيد المرحلة من جديد.

أما من ناحية الألغاز، فهي متشعبة وكثيرة جدًا، ومختلفة تمامًا الاختلاف عن الجزء السابق. بعضها يحتاج منك إلى التركيز الشديد في البيئة المحيطة، وبعضها لن تستطيع فك شيفرته إلا بعد الموت عدة مرات. كما أن اللعبة تقتضي منك الاهتمام بشدة بالصوتيّات، فهناك مهمة بعينها لن تستطيع اجتيازها إلا عند التركيز مع الصوت القادم من جميع الاتجاهات تقريبًا، ولهذا ننصح بارتداء سمّاعة رأس – Head Set جيدة.

وبالتأكيد هذا ليس كل شيء في عالم الكوابيس، فهناك لمسات فنيّة هنا وهناك. بطبيعة الحال هذا العالم خالٍ من الألوان تمامًا، إلا الألوان التي يحضرها أبطال العمل أنفسهم. وصدقًا، أنت لسة وحدك في هذا العالم!

كان هناك أطفال من قبلك، لكن للأسف، لم تكن الظروف رحيمة بهم، وتركوا خلفهم بعض الأشياء، من بينها القبعات – Hats، وهي بمثابة الجواهر الثمينة التي تجدها عند التفحيص والتمحيص في البيئة المحيطة، ووقتها تستطيع أن ترتديها لتغير طلّتك في اللعبة، وبالتالي تكون شخصيتك بارزة في الشاشة القاتمة، مما يسهل الجيم بلاي نفسه.

وعلى الصعيد الآخر، يمكنك أن تقابل “أشباح” الأطفال الصغار السابقين، حينها ستتعامل مع قبس صغير من الماضي، لمحات خاطفة من الأهوال التي عاصرها هؤلاء المساكين، ومع الوقت تستطيع أن تفيدك في فك شيفرة هذا العالم الحزين، وفهم طبيعة الإرسال الغامض الذي يبث في كل تلفاز ويجعل البشر الأحياء.. مسوخًا ميتة!

ربما يعتقد البعض أن الجرافيك سيء ومأساوي في الجزء الأول، وربما امتد اعتقادهم هذا إلى الجزء الثاني. لكن لنتحدث بجدية عن الأمر، أنت لا تحتاج لميزانية ضخمة لتقديم جرافيك يتناسب مع قصتك، أنت فقط تحتاج إلى إبداع!

مراجعة Little Nightmares 2

الإبداع هنا أتى في صورة التسطيح التام لكل الألوان، التركيز على خلق تباين واضع بين بروز تفاصيل المسوخ، وتشتت تفاصيل أبطال القصة ومفردات العالم. هناك اختلاف ملحوظ بين المشاهد المعتمدة على زيادة الـ Contrast ورفع الإضاءة، والمشاهد المعتمدة على العكس بالضبط، هذا كله يصنع حالة شعورية من القلق لدى اللاعب، وأيضًا يضفي جانبًا سينمائيًّا على العالم.

وبالرغم من تسطيح الجرافيك، إلا أن اللعبة فعلًا “لعبة جيل جديد – New Gen”. فإذا تم لعبها على حاسوب بمواصفات عالية، يمكن بسهولة سماع صوت مراوح كارت معالجة الرسوميات، مما يعني أنها ثقيلة على الأجهزة القوية للحصول على معدل تحديث إطارات مرتفع وثابت على دقة 1080 حتى.

الجرافيك لا غبار عليه، نقطة ومن أول السطر.

مراجعة Little Nightmares 2

مقطوعات من الجنة! .. هذا أقل ما يجب وصف هذه الموسيقى به. وكأن هناك آلاف الملائكة المصطفّة في قاعة كبيرة تعزف مقطوعة حالمة، لكن بدأت تدخل من الناحية الأخرى كوكبة من الأطفال الباكين، ليهمهموا بمعزوفة أخرى حزينة، ليصير التداخل عبارة عن معزوفة نهائية لا تستطيع التقرير إذا كان يجب أن تبكي عند سماعها، أم تسعد.

صوتيّات اللعبة نفسها من الناحية الأخرى، ممتازة بحق. قفزات الرعب تدعمها فترات صمت متنوعة، مما يجعل توقعها أمرًا مستحيلًا، وهذا يعزز التجربة الإرعابية. كما أن التوزيع الصوتي (الميكساج) عبقري للغاية في مزج صوت وقع الأقدام، الصراخ، الأمطار، ضوضاء البثّ الشيطاني، والعديد من الأصوات الأخرى.

الخلاصة: لعبة Little Nightmares 2 تحفة فنية من الطراز الرفيع، قصة محكمة وآسرة، موسيقى ملائكية حزينة، وجرافيك يدفعك نحو الأعمق. كل شيء في هذه اللعبة متكامل، بداية من الأحداث المتشعبة والمترابطة في النهاية، مرورًا بالمقطوعات التي تدفع الأدرنالين دفعًا في العروق، وصولًا إلى الرسوميات التي لا ترسي في النفس شيئًا إلا الحزن والكآبة. تجربة ملحمية يجب أن تخوضها، ومجهود تطويري يستحق الثناء بدون شك. يجب دعم BANDAI NAMCO، ويجب إعطاء هذه اللعبة حقها. إنها من القلائل اللاتي قدمن مفهوم الرعب بطريقة مختلفة في عالم صناعة الألعاب المكررة، وأقل ما يمكن فعله هو دعمها بكل ما أوتينا من قوة!

التقييم النهائي : 9.5/10

[تم توفير هذه اللعبة من قبل الناشر عند صدورها في الأسواق]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى