تكنولوجيا

مراجعة Cyberpunk 2077

خاص | أحمد سامي

اللعبة، التي ظلت شركة CD Project Red البولندية تطور فيها منذ 2012 وحتى 2020، اللعبة التي انتظرها الملايين وبدأوا الحجوزات بالفعل منذ عامين، إنها لعبة Cyberpunk 2077، الإبداع الأقوى للشركة المطورة من بعد أسطورتها الحية The Witcher 3، والتي صدرت في 2015، وحصلت على لقب لعب العام – GOTY وقتها.

عالم ضخم، سوداوي، متشعب، وبدون شكّ يستحق كل دقيقة من وقتك، لكن وعلى الرغم من الزخم الذي حصدته اللعبة لسنوات وراء سنوات؛ إلا أن الناتج النهائي كان مليئًا بالمشكلات التقنية التي كانت ملحوظة على الحاسوب، ومدمرة لتجربة اللعب تمامًا على أجهزة اللعب المنزلي المنتمية للجيل القديم.

الآن؛ لنتعرف على Cyberpunk 2077 كصديق عائد من سفر طويل، متعرفين فيها على أهم العوامل التي جعلتها منافسًا شرسًا لألعاب الجيل الجديد حصرًا، وفي الوقت نفسه تجربة لا تستطيع أن تعطيها العلامة الكاملة وأنت مرتاح البال!

معايير مختلفة لمدينة مختلفة، وعالم سوداوي لا يمكن أن تتوقع حدوثه، لكن بعد النظر بشكلٍ دقيق، ندرك أنه حولنا في كل شيء وأي شيء فعلًا، لكننا مشغولون بمعترك الحياة، مما أعمانا عن رؤية الهوّة السحيقة التي هبطنا فيها منذ سنوات، وما زلنا نهبط.

مراجعة Cyberpunk 2077

هل يمكن للتكنولوجيا أن تكون السبب في تعاسة الإنسان؟ حسنًا، هذا الآن يبدو غير منطقيّ، فالتكنولوجيا تعمل على إطالة حياة الإنسان وعلاج الأمراض وغيرها، لكن في نايت سيتي، الوضع مختلف تمامًا.

إنها المدينة المستقبلية التي تتحكم فيها الآلات في خيوط القدر، وتجعل مصير الإنسان مرهونًا بمقدار الثروة التي يستطيع تحويلها إلى قطع آلية تعطيه قدرات خارقة. بات الجميع فجأة مازجين للتكنولوجيا بشكلٍ أو بآخر في أجسامهم، كتجسيد حيّ على التكنولوجيا الحيوية التي بالكاد هذه الأيام تدعمها تقنيات النانو على نطاقٍ محدود.

في “نايت سيتي” تستطيع تركيب عين تحلل أي شيء وكل شيء، كاشفة لك كل تفاصيل حياة الجميع، من نقاط قوة وضعف، حالة اجتماعية، وترتيب اجتماعي، يمكن لك تعديل أي قطعة في جسدك بهدف تحسينها آليًّا لتصير بالتدريج إنسانًا خارقًا بالمعنى الحرفي للكلمة. أنت هو في – V، بطل/بطلة القصة، وعليك أن تتعامل مع العالم الملتوي لـ”نايت سيتي”، حيث يمكن لأي أحد أن يتسلّق السلّم الاجتماعي، لكن طريقة التسلّق هي التي تفرق الرحالة من فتى الشوارع من رجل الشركات.

في البداية؛ عليك أن تختار إذا كان بطلك من الرحّالة أم أبناء الشوارع أم رجال الشركات. الرحالة لديهم خبرة كبيرة بالسيارات، ويذهبون من مكان لمكان بسهولة، بينما أبناء الشوارع مهاراتهم القتالية مبهرة بحق، ويستطيعون تنفيذ مجموعة مهام إجرامية كبيرة، وأخيرًا رجال الشركات حياتهم دقيقة ومضبوطة إلى أقصى حد، لكنها لا تخلو من الحماس كذلك، كل مسار من الثلاثة يُعطيك بداية مختلفة للعبة، لكن في النهاية تتقاطع المصائر في نقطة واحدة تبدأ منها القصة الفعلية.

وعلى الرغم من تشابه القصة في المسارات الثلاثة؛ إلا أن Cyberpunk 2077 جعلت هناك سطورًا حوارية معنية مرتبطة بكل مسار فقط؛ مما يجعل الوصول لنهاية من النهايات الخاصة باللعبة أمرًا كرمي النرد في الفضاء الخارجي؛ أنت تعلم أن الشكل الذي سيأخذه النرد سيثبت عليه للأبد، وأن النهاية التي ستختارها لن تستطيع الفرار منها، هذا النوع من التوجس والقلق يُعزّز من تجربة اللعب ككل مع الوقت، بجانب المدينة الساحرة، وهنا يأتي دور “نايت سيتي”!

التجول في المدينة بديع للغاية، لن تمر على المكان نفسه مرتين بسهولة، الخريطة أضخم بثلاثة أضعاف على الأقل من لعبة GTA V التي كانت ضخامة العالم أبرز نقاط قوتها. التفاصيل الخاصة بالشخصيات، المباني، السيارات، كلها ممتازة، السير بالسيارات تجربة ممتعة.

إلا أنها لم تخلُ من آليات الحركة الغريبة، مثل القفز من السيارة على سرعة 200 والهبوط بثبات، دون التدحرج على الأرض حتى، أو مثل قتل أحدهم في الشارع، ثم ظهور الشرطة من حولك وكأنهم انتقلوا آنيًّا إلى مكانك من العدم، وغيرها وغيرها وغيرها.

لكن على الرغم من مساوئ بعض تفاصيل تجربة التجول في المدينة؛ فإن تفاصيل التحكم في الشخصية والعالم هي التي تجعل التجربة مميزة بحق. يمكن تعديل الأسلحة “سواء استبدال أو ترقية”، شراء المعدات، تحسين القدرات الجسدية، وأيضًا سرقة الخرداوات من العالم وبيعها عند التجار وكسب المال.

وعلى ذكر المال؛ هناك تساهل واضح في نظام المكافأة في هذه اللعبة، من السهل جدًا الحصول على أموال طائلة من المهام الرئيسية أو الجانبية، فبالتالي يمكن ترقية كل نقاط المهارات إلى أقصاها سريعًا، وبذلك تصير اللعبة سهلة للغاية؛ هنا ننصحك بترقية مستوى الصعوبة بعض الشيء؛ للحصول على تجربة لعب ذات أبعادٍ تجبرك على إخراج أفضل ما فيك من قدرات لعب.

يمكن اختراق الأجهزة، الآلات المتحركة، وكذلك الروبوتات التي باتت تحل محل البشر بسهولة في عام 2077. هذه أجواء مشابهة بشدة لألعاب أخرى معتمدة على الاختراق الإلكتروني، خصوصًا أن هناك مهمة كاملة مقتبسة رأسًا من إحدى أبرز ألعاب 2020؛ ألا وهي Watch Dogs: Legion.

في الواقع الاختراق بدائي بعض الشيء، ولا يرقى للمستوى التكنولوجي الذي وصل إليه العالم في عام 2077، إذا أضافوا نوعًا من التشعب لآليات الاختراق لكان هذا أفضل بكثير. لكن على كل حال، هذا كان ليعقِّد الأمور أكثر، بما أن “نقاط المهارات” بالفعل تُنفق في شجرة متشعبة من المهارات المليئة بالتفاصيل الدقيقة.

مراجعة Cyberpunk 2077

عالم ” نايت سيتي” (وحتى خارجه) قادر على سحبك بداخله كالثقب الأسود، وصدقني لن تستطيع الهروب منه أبدًا. أجل هناك مشاكل تقنية هنا وهناك، لكن التجربة ككل، مع الموسيقى الحماسية التي تصدح عند ركوب أي سيارة أو دراجة بخارية؛ فعلًا تأخذك إلى عوالم أخرى تكون فيها ما تشاء، لا قيود، لا حواجز، لا شيء ممنوع، كل شي متاح!

والآن؛ حان وقت المشكلات.

الجرافيك جبّار، هذا لا خلاف عليه؛ لكن المشكلة أن الشركة اشتهرت بتقديم ألعاب تستطيع أن تكون متوافقة مع كل أجهزة اللعب حصرًا، وتقدم تجربة لعب ممتازة للجمهور أيًّا كانت قدرات “الهارد وير” خاصتهم، سواء اقترنت بحاسوب شخصي أو منصة لعب منزلي، وأبرز مثال على ذلك سلسلة The Witcher مجملًا؛ لكن هذا للأسف لم يحدث هنا، بأي حال من الأحوال.

على أجهزة الحاسوب، اللعبة قوية للغاية ومستهلكة لقدرات الجهاز بشدة، حتى أن هناك أكثر من بينش مارك ظهر للعبة على كروت RTX 3090 (كروت الجيل الجديد)، وبالكاد استطاعت الوصول إلى 60 إطار في الثانية على جودة 4K، علمًا أن تلك الكروت في الأساس تصل إلى 8K.

وعلى أجهزة إكس بوكس وبلاي ستيشن القديمة مثل Xbox One و PS4، اللعبة مأساوية إلى أقصى حد، وغير قابلة للعب من الأساس. لاحقًا تم إصدار باتش تعديلي لمنصات اللعب المنزلي على وجه التحديد، ورفع من كفاءة التجربة ككل بعض الشيء، لكنها لا تقارن أبدًا بجودة الحاسوب الشخصي.

ومن الناحية الأخرى، هناك أخطاء كثيرة للغاية في كل النسخ، ولا علاقة لها بالهارد وير. مثل أن تقف الشخصية في وضعية T فجأة، أو أن تقفز في الهواء بينما أنت في خضم مهمة صعبة للغاية، أو حتى أن تسير في الشارع بدون رأس. هذا بغض النظر عن السجائر والأسلحة والجثث المتطايرة في الهواء من حينٍ لآخر، والتي تم تعديل أغلبها مع HOT FIX تم إصداره سريعًا.

في النهاية؛ الجرافيك فعلًا ممتاز، لكنه لم يوجه أبدًا إلى هذا الجيل، التجربة موجهة للجيل الجديد من كروت الشاشة والكونسول، أصحابهم فقط سيحصلون على لعبة ممتازة، أجل يمكنك انتظار سنة مثلًا، وستكون اللعبة أفضل على الأجهزة الضعيفة، لكن بالطبع عذر أقبح من ذنب، وكان يجب طرح اللعبة بشكلٍ أفضل من هذا، خصوصًا أنها قيد التطوير منذ 2012.

“نايت سيتي” بدون أصوات، ليست نايت سيتي.

هذا هو العنصر الأبرز الذي يجعل التجول في عالم Cyberpunk 2077 أخّاذًا بحق، الصوتيات انقسمت إلى موسيقى تصدح في الأرجاء، مثل أن تدخل ملهى ليليّ أو حانة صاخبة، وموسيقى تصدر من راديو السيارة التي تركبها، وفي كليهما هناك شيء جعل للاستوديو مكانة خاصة في قلبي، ألا وهو الأغاني المصنوعة خصيصًا لعالم اللعبة!

مراجعة Cyberpunk 2077

الكثير والكثير من المقطوعات الموسيقية والأغاني تم صنعها خصيصًا للعبة، وعلى رأسها أغنية GR4VES من تلحين Konrad OldMoney، بمجرد الوصول إليها في الراديو، سوف تحرق أسفلت الطريق يا صديقي، ولن يقف أمامك أحد؛ لكن كل مقطوعات اللعبة في كفة، وموسيقى الشاشة الرئيسة في كفة أخرى تمامًا، يمكن المكوث أمامها لساعات وساعات دون أن ترغب في بدء اللعبة من الأساس، إنها موسيقى تدفعك فعلًا لإحراق المدينة بأسرها!

بالطبع اهتمت الشركة بالعرب جدًا، حيث أصدرت نسخة خاصة بالشرق الأوسط تم حجب مشاهد التعري فيها “دون وجود خيار لتفعيلها”، وأُرفقت فيها ترجمة شبه احترافية لكافة النصوص الحوارية والقوائم والشاشات الانتقالية وكل تفصيلة صغيرة أو كبيرة باللعبة، في بعض الأحيان كانت الترجمة حرفية بعض الشيء، وكذلك في نسخ الحاسوب كان حفظ اللعبة للغة التي اخترتها أمرًا غير موجود من الأساس، لكن من المتوقع أن يتم تعديل تلك التفاصيل مع الوقت.

الخلاصة لعبة Cyberpunk 2077 تجربة مستقبلية من الطراز الرفيع، عالم تذوب في تفاصيله، ومهمات لن تمل ّ أبدًا من تنفيذها واحدة تلو الأخرى دون هوادة، تفاصيل “نايت سيتي” ساحرة، الذكاء الاصطناعي بحاجة إلى تحسين، والجرافيك جبّار على الأجهزة التي تستطيع فعلًا تحمله بكفاءة. المقطوعات الموسيقية تدفعك لإحراق المدينة، والقصة قادرة على سحبك بداخلها كالمشتاق المسحور حبًا، مع الوقت سيتم تحسين العالم، وستكون اللعبة واحدة من أبرز الأعمال الفنية للجيل الجديد، ويا لها من انطلاقة فعلًا!

التقييم النهائي : 8.5/10

[تم توفير هذه اللعبة بأنفسنا بعد صدورها في الأسواق]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى