تكنولوجيا

مراجعة Amnesia: Rebirth

خاص | أحمد سامي

سلسلة ألعاب Amnesia بشكلٍ عام تتميز بالأسلوب السينمائي في عرض القصة، وفي العادة لا يوجد أي هدف من اللعبة سوى الانغماس في الأحداث وعيش التجربة فقط، لذلك الفوز ليس من الأشياء التي تركز عليها السلسلة على الإطلاق، وهذا ظهر بشدة في آخر جزء صدر منها، والذي يحمل عنوان مقال اليوم: مراجعة Amnesia: Rebirth وهو الجزء الذي يعتبر أفضل واحد فيها حتى الآن. السلسلة مجملًا من تطوير Frictional Games وتهتم بالتجربة أكثر من الفوز والخسارة.

امتاز الجزء هذه المرة بالعديد من العوامل التي تجعله واحدًا من الأعمال التي تجذب أكثر من شريحة لاعبين في نفس الوقت. هناك اللاعب الذي يحب القصص الدرامية، وهناك آخر يحب القصص ذات الطابع السردي الروائي الذي يحمل بين طياته كلماتٍ أدبية وكأنها مستخرجة من رواية عملاقة، وهناك بالتأكيد لاعب مختلف عنهما ويعشق الوحوش صعبة القتل والتي تستنزف كل القدرات العقلية والنفسية له. كل هؤلاء سيجدون ضالتهم في هذا الجزء، لأنه بعد كل شيء؛ فيلم رعب سينمائي من الطراز الرفيع.

في مراجعة Amnesia: Rebirth أول ما نتحدث عنه هو القصة، حيث أنه بعد مرور 100 عام على أحداث الجزء الماضي الذي حمل عنوان The Dark Descent. هنا نحن أمام عالمة الآثار (تاسي)، والتي قررت أن تذهب مع زوجها (سالم) بصحبة مجموعة من العلماء والأثريين المخضرمين، في رحلة إلى أفريقيا بهدف دراسة منطقة قيل إن فيها حضارة غابرة، وأنها تحمل الكثير من الأسرار التي من الممكن أن تهزّ العالم كله. لكن وبينما الرحلة يسيرة والطائرة ثابتة في خط سيرها، تنقلب السماء فجأة وتظهر عاصفة ترابية قوية من العدم، تحدث على إثرها مجموعة من المطبات الهوائية التي جعلت كل أفراد الطاقم في حالة هلع مستمرة.

مراجعة Amnesia: Rebirth

الأمر لم يقف عند هذا الحد، فمع كل مطب هوائي تحدث من الخارج اهتزازات لحظية في البيئة المحيطة بالطائرة. مع أول مطب تظهر العاصفة الترابية الصفراء بشكلٍ طبيعيّ، ومع ثاني مطب تُصبغ الموجودات بالأسود القاتم، لنجد أنفسنا أمام عالمٍ غريب مليء بالأبراج الشاهقة والرموز التي لا يبدو أنها تنتمي لأي حضارة بشرية معروفة. تستمر الومضات لفترة، قبل أن تُعلن الطائرة عن استسلامها تمامًا؛ ينفجر المحرك. وفي النهاية يشرع الجميع في الهبوط الإجباري بالصحراء المقفرة للجزائر.

تستيقظ البطلة بعد معاناة لتجد نفسها بداخل الطائرة، وعليها الهرب بأي شكل قبل أن يزداد الخناق عليها، وتبدأ حالتها العصبية في التملك منها، حيث إنها ترتعد من الظلام والأماكن المغلقة، وتحاول دائمًا تناسي تلك المخاوف بالرسم. وبالفعل تخرج لتجد نفسها في مكان معزول، ولا يوجد ناجون من الطاقم في أي مكان، ولا حتى جثث، والآن عليها البحث عن زوجها قبل أي شيء، وبناء عليه تتشجع وتدخل كهوف تلك المنطقة الجبلية مجهولة المعالم وحارقة الحرارة، والأهم من ذلك أنها تحاول التغلب على خوفها من الظلام الذي يملأ جوف ممراتها المظلمة.

للأسف لم تعلم تاسي أن هناك أهوالًا بانتظارها، وأن المكان فعلًا كان مأهولًا بحضارةٍ ما، وأن بقاياها حاضرة حتى الآن؛ سابحة في برك من دماء كل من حاول البحث عنها أو تقفي أثرها عبر التاريخ.

الهدف الأول والأخير من هذه اللعبة وهذه القصة هو جعل اللاعب مغموسًا من منبت الشعر وحتى أخمص القدم في الأحداث والأجواء، ولهذا لا يوجد فوز وخسارة، وهذا تحديدًا ما يُشير إليه المطورون في بداية اللعبة بعبارة صريحة وصادمة.

مراجعة Amnesia: Rebirth

ماذا؟ لعبة لا تهتم بالفوز والخسارة؟ أين الحماس إذًا؟ لماذا نلعبها من الأساس؟ ولماذا يتم تقديم مراجعة Amnesia: Rebirth من الأساس إذا كانت خالية من الدافع إلى هذا الحد؟

في الواقع تحاول اللعبة بشكلٍ ما نقل تجربة السينما إلى عالم الألعاب، لكن مع عدم تقليد الأعمال الأخرى التي تعتمد 100% على أسلوب السرد البصري. هنا يمكن القول إن الجزء الجديد من السلسلة اعتمد على تقديم الأجواء السينمائية، لكن باستخدام أسلوب اللعب الخاص بالمنظور الأول.

دائمًا وأبدًا كان المنظور الأول هو الذي يُعطي أوسع مساحة رؤية أمام العين، وهذا ما تفشل فيه عدسات السينما ذات المساحة المحدودة، حتى مع كاميرات الـ Medium-Format. يمكن ألّا يُلاحظ اللاعب هذه النقطة الفنية المميزة لعدم حصول الجميع على شاشات عرض Ultra-Wide، لكن المفهوم مُطبق هنا، وناجح إلى أقصى حد مع الشاشات متوسطة الحجم حتى.

بعد التيقن من إدخال اللاعب في عالم القصة، يأتي مباشرة سحبه إلى مجاهيله. وبالفعل، سرعان ما تنتقل الكاميرا من البيئة المفقرة بالصحراء، إلى البيئة الرطبة جدًا بالكهوف، ثم إلى الصحراء مرة أخرى، وهكذا. ومع كل مكان تنتقل الكاميرا إليه، تنتقل مع اللاعب مشاعر الخوف والهلع التي اكتسبها من خوض تجربة مرعبة في المكان الذي سبقه. لعب المطورون ببراعة على أوتار النفس البشرية، وأن الإنسان بطبيعته يخاف المجهول، حتى ولو علم هيئة هذا المجهول.

الأمر كله يعتمد على المتغيرات التي ليس بالإمكان توقع مساراتها. فإذا علمت أن هناك وحشًا رابضًا في النهاية الممر المظلم، هذا غير قادر على إشعارك بالأمان، حيث إنك لا تعلم ماذا سيفعل عندما يراك، ولا تعلم أيضًا كيف يمكنك التغلب عليه، هذا إذا كان هناك آلية للتغلب عليه من الأساس، ربما الهرب هو الحل مثلًا. كل تلك العناصر ترفع من حالة الذعر لمجرد السير في ممر مظلم فقط، وهذا بدون إدخال موسيقى إرعابية في المنتصف كما تفعل أفلام الرعب الرخيصة.

مراجعة Amnesia: Rebirth

بعد التفخيم من استغلال الفريق للعامل السيكولوجي بقوة، للأسف فشل أفراده في إعمال مبدأ التنويع لضمان استمرارية ذلك الاستغلال. اللعبة قادرة على دبّ الرعب في القلوب من أول مشهد، لكن مع مرور الوقت تبدأ الخطوط العريضة في تكرار نفسها.

أجل، تُعمل القصة مبدأ التصاعد بامتياز، والوحوش متنوعة فعلًا، لكن الفكرة العامة تصبح أنه يتم الانتقال من مكان لمكان، بهدف الوصول للعقبة الإرعابية التالية، والتي يتم التغلب عليها بطريقة مختلفة في كل مرة، لكن المبدأ واحد: هناك وحش في انتظارنا. هذا لا يعتبر نقطة سلبية في حق أغلب الألعاب، لكن هذه اللعبة تحديدًا أعطت هالة واعدة للغاية في البداية، هالة السينما؛ والسينما لا تكرر نفسها.

لا يجب أن تخلو مراجعة من الجرافيك، خصوصًا مراجعة Amnesia: Rebirth على وجه التحديد، ولإنصاف صنّاع العمل؛ يجب تقسيمه إلى جزأين: جرافيك أسلوب اللعب، وجرافيك النقلات السينمائية.

النقلات السينمائية هي التي تسرد القصة للاعب، والمميز فيها هي أنها ابتعدت تمامًا عن أسلوب الرسم والتحريك التقليدي للشخصيات نفسها وهي تتحدث في الماضي، وبدلًا من ذلك قدم المطورون أحداث الماضي على لسان الشخصيات صوتيًّا فقط، بينما كان الدعم البصري متمثلًا في (لوحات فنية) مرسومة على يد بطلة الأحداث نفسها، وذلك في دفتر الرسوم الخاص بها، والذي ظهر في بداية الأحداث، واستمر معنا على مدار القصة.

لعبة فيديو

أما بالنسبة لأسلوب اللعب نفسه، فالجرافيك لا يمكن إعطاء رأي نهائي فيه بسهولة فعلًا. فالمستوى البصري ممتاز بداخل الكهوف، وسيئ تمامًا بالخارج. ربما لأن ظلال الكهوف تُغطي على عدم احترافية الرسم بعض الشيء؟ لا يمكن الجزم فعلًا.

لكن مجملًا، عند غمر البيئة بالضياء يمكن القول إن مستوى الجرافيك الخاص بالبيئة الخارجية مشابه جدًا لألعاب الشوتر باتل رويال الواقعية، والتي أغرقت العالم هذه الأيام، مما جعله غير مريح بصريًّا للأسف، وربما لتم تخفيف الأمر قليلًا إذا اعتمد الفريق على المزج بين المنظور الأول والثالث، حيث إن جذب عين اللاعب إلى شخصية متحركة يقلل من اهتمامه بتفاصيل البيئة المحيطة به بعض الشيء.

المقطوعات الموسيقية الداعمة تكاد تكون شبه معدومة، إلا بعض المشاهد هنا وهناك فقط. وهذا في الواقع ممتاز جدًا، ويعتبر واحدًا من نقاط قوة الألعاب بشكلٍ عام، ونقاط قوة مراجعة Amnesia: Rebirth بشكلٍ خاص. حيث يجعل اللاعب مركزًا بشدة على الـ Ambient Sounds، أو أصوات البيئة من حوله؛ كوقع الأقدام، تساقط قطرات الماء من أسطح الصخور الرطبة، وكذلك أصوات الحشرات والوحوش القابعة في كل ركن تقريبًا. ومع ارتداء سماعات رأس قادرة على التقاط الترددات الصوتية المنخفضة، ستكون التجربة ذات وَقع إرعابي شديد جدًا على القلب.

الخلاصة : لعبة Amnesia: Rebirth احتوت على خلاصة خبرة فريق تطوير السلسلة، وقدمت تجربة نفسية-إرعابية من الطراز الرفيع. انطوت على جرافيك داخلي ممتاز، وجرافيك خارجي متوسط، وصوتيات دقيقة، وحوش فريدة، قصة متصاعدة؛ لكن نمطية من حيث الخطوط العريضة بعض الشيء. المزج بين المنظور الأول والثالث لكان من الأفضل تقديمه هنا، لكن الأحجية التاريخية الغامضة المطروحة حابسة للأنفاس ومؤججة للذهن إلى أقصى حد، وهذا ما لعبت عليه اللعبة باحترافية من المشهد الأول، وحتى الأخير.

التقييم النهائي : 6.5/10

[تم توفير هذه اللعبة من قبل الناشر بعد صدورها في الأسواق]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى