اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

مبادرة السراج على صفيح ساخن

 

218TV.net خاص                                                           

سالم العوكلي

بعد اللغط الذي أثير حول مبادرة السراج ، بحثت عن نصها الكامل في الإنترنت فلم أعثر عليه، وإن أطلعت على الكثير من اللغط حولها، لكن يبدو أن جوهرها الأساسي هو الدعوة إلى انتخابات نيابية ورئاسية شهر مارس المقبل، وهي دعوة ليست جديدة، وسبق أن أعلن عنها رئيس مجلس النواب كمخرج من هذا الانسداد السياسي، لكن لا أحد أعار مبادرة عقيلة انتباها، ويبدو أن فكرة الانتخابات بدأت تنسحب من القاموس السياسي الليبي، ومن الاهتمام الشعبي الذي يغمره إحساس شامل بكون ما تعانيه البلاد، ويقاسيه الناس، هو جراء تلك الانتخابات التي أوصلت أكثر من مرة أشخاصا إلى واجهة المشهد السياسي، لم يقدموا أي حل لمشاكل الناس، بل فاقموا الوضع وتفشت بينهم صراع المصالح الشخصية والانقسامات الجهوية، لدرجة أن مجلس النواب لا يستطيع أن يعقد جلسة مكتملة النصاب رغم أن البلد تهرول صوب الهاوية. بل أن الكثيرين من النواب الذين انتخبهم الناس لحل مشاكلهم لا يتواجدون داخل ليبيا معظم الوقت، وعديدهم تحول إلى إعلاميين لا يبرحون شاشات القنوات الفضائية، يتحدثون عن معاناة الناس مثلما يتحدث أي شخص في الشارع، وكأنهم نسوا أنهم انتخبوا من أجل حل هذه المشاكل وليس الشكوى منها، وأنهم جزء من تفاقم هذه الأزمة. قد يقولون أن الظروف أقوى منهم، ولا يستطيعون فعل شيء، لكننا نعرف أن من يكون في موقع المسؤولية ولا يستطيع فعل شيء عليه أن يقدم استقالته إذا كان يحترم نفسه ويحترم الناس الذين اختاروه.

نعود إلى مبادرة السراج المولودة فوق صفيح ساخن؛ والتي يسميها البعض تعسفاً خارطة طريق، ويشجبها لأنها لم تصدر عن جهة شرعية أو ليس لها قوة دستورية، أو لأن البعض الذي يتجاوز ذلك يعتبرها تفتقد تماما لآليات التنفيذ، لكن إذا نظرنا للأمر من جانب آخر فنحن نعرف أن الدعوة إلى انتخابات مبكرة تأتي بسبب الانسداد السياسي أو الخوف من الفراغ السياسي، وهو إجراء متعارف عليه حتى في الدول المستقرة  (مع ملاحظة أن هذه المبادرة تمثل دعوة إلى انتخابات متأخرة جدا وليست مبكرة) ومن هذا المنطلق استغرب هذا اللغط الكبير حولها لأنها، كما ذكرت، ليست هي الدعوة الأولى، كما أن عشرات المبادرات قد طرحت من أطراف خارجية ولم تثر مثل هذا اللغط أو تتعرض لهذا الهجوم .

في جميع الأحوال، الرجل اجتهد وطرح مبادرة وليس أمرا من سلطة تشريعية عليا، فإذا كان قد أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد، كما أن هذه المبادرة ليست ملزمة بأي حال من الأحوال وهي عرضة للنقاش أو للتعديل أو الرفض دون الحاجة لاستخدامها لقراءة النوايا أو ما يعتمل في الأفئدة .

البعض يعتبر أن تيار الإسلام السياسي يقف وراء هذه المبادرة ، مع العلم أن أية دعوة للانتخابات ليست إطلاقا في صالح هذا التيار، إذا كانت شفافة ونزيهة وتحت رقابة دولية، لأن هذا التيار غير المقبول في الشارع الليبي يدرك أنه سيخسرها حتما، ولن يكون هذه المرة قادرا على تنفيذ انقلاب مسلح مثلما حدث بعد انتخابات مجلس النواب أو ما يسمى فجر ليبيا، لأن الظروف والموازين والمعادلات الدولية تغيرت تماما، ولن يكون الحال نفسه، فالدول التي دعمت حرب فجر ليبيا الانقلابية، أصبحت الآن تحت المراقبة الدولية، وآلية تجفيف مصادر تمويل هذه المجموعات المتشددة تؤتي ثمارها لأن الأمر أصبح جدياً بعد أزمة الخليج، وبعد انهماك الإدارة الأمريكية الجديدة في الحرب على الإرهاب وإدراكها متأخرا أن لا وجود لما يسمى إسلام معتدل حين ينخرط في السياسة ويسعى للاستيلاء على السلطة بالقوة إذا ما خسر الانتخابات، من جانب آخر لم تفز جماعة الأخوان في أية انتخابات رغم أنهم كانوا لا يظهرون ما يبطنون، ولم ينكشفوا بعد لقدر كبير من الناخبين في ليبيا، ما بالك الآن وقد عرف الناس أنهم حاضنة الجماعات المتطرفة وذراعها السياسي وممولها، وأنهم من فتح المرحلة لتدخل أجندات خارجية وهم من أفسد الحياة السياسية في ليبيا. إنهم يدركون جيدا أن وجودهم على الأرض بسبب سياسة الأمر الواقع وأن الانتخابات هي الوسيلة لإخراجهم من المشهد، لذلك استبعد منطقيا أن يكون هذا الطرف المحروق خلف الدعوة لانتخابات مبكرة، وهم يدركون جيداً لو أن المشير يرشح نفسه للرئاسة سيفوز بها ، وهذا بالنسبة لهم كابوس حقيقي . سيفوز بها من منطلق ما أُنجِز على الأرض فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب، ومن منطلق حاجة الناس لرجل مرحلة قوي خلفه قوة منظمة وشرعية لإعادة الدولة إلى مسارها وتحقيق الأمن، ومن منطلق أن تاريخ هذا الكيان يخبرنا أن ما يحدث في مصر ينتقل إلى ليبيا غالباُ.

أما ما يعيب هذه المبادرة فهو الإصرار على إعادة تدوير الأزمة الليبية بشكل متكرر، فبغض النظر عن كون الظرف الأمني غير مهيأ لإجراء انتخابات، فإن مثل هذه المبادرة تصلح للخروج من انسداد سياسي في بلد مستقرة وموحدة، ولكن الأزمة الليبية أكثر تعقيدا بكثير، وهي تحتاج إلى أولوية أكد تاريخ الصراعات ضرورتها، وهي المصالحة الوطنية كقاعدة أساسية لأية حلول مقترحة أو مبادرات تالية، لأن أزمات كثيرة مشابهة لم تنته إلا عبر خطة مدروسة للمصالحة الوطنية تتطلب الكثير من التنازلات الصعبة من أجل تحقيق سلم اجتماعي ومناخ ملائم لإنجاز الاستحقاقات السياسية والأمنية فيما بعد، تجارب مثل جنوب أفريقيا والجزائر وعُمان وايرلندا وتشيلي وكولومبيا وغيرها، لأن البديل للمصالحة الوطنية هو بناء مشروع دولة فوق حقل من الألغام أو حرب طويلة تأكل الأخضر واليابس، خصوصا إذا قامت في كيان هش مثل ليبيا، وهذه الحرب لن تكون محلية لكنها ستشكل حلبة شاسعة للتدخل المباشر من قوى دولية وإقليمية وفق مصالحها، وستكون حربا بالوكالة مثلما يحدث في سوريا أو اليمن .

من جانب آخر تشكل هذه المبادرة  نوعا من التشويش على عمل بعثة الأمم المتحدة الجديدة، لأن هذه البعثة لن تجد بديلا للبناء على ما سبق انجازه بعد معالجة نقاط الخلاف الرئيسية بين الأطراف، والتي جعلت الاتفاق السياسي يختار القفز إلى الأمام متغاضيا عن الغطاء الدستوري أو الشرعي، لتنبثق عنه أجسام أخرى غير دستورية فاقمت الأزمة بدل أن تحلها أو تخفف منها، وأصبحت  أجسام مفروضة ضمن سياسة الأمر الواقع التي تبنتها البعثات السابقة، وتقف وراء استفحال الأزمة.

لا بديل للمصالحة الوطنية كأولوية في هذه المرحلة، ولعل أفضل ما أنجزه مجلس النواب طيلة فترته هو إلغاء قانون العزل السياسي وإصدار قانون العفو العام الذي سيكون ركيزة مهمة للشروع في المصالحة، خصوصا أنه رفع السقف بتطبيقه على سيف الإسلام .  كما أن المتغيرات الدولية والإقليمية، وما نتج عنها من إجراءات وقائية ضد القوى الممولة للإرهاب سيكون أيضا عاملا مساعدا في إمكانية المصالحة الوطنية التي بالتأكيد لن تضيع حقوق المتضررين كما يرد في قانون العفو العام نفسه، الذي لا يلغي تفعيل العدالة الانتقالية شرط أن تؤجل المحاسبة إلى ما بعد قيام الدولة بمؤسساتها الضبطية والقضائية من أجل ضمان محاكمات عادلة لكل من اتهموا بالإجرام في حق الليبيين.

والمهم في الأمر أن لا نتوجس من فكرة الانتخابات وتداول السلطة كأهداف خرج من أجلها معظم الليبيين في مغامرة فبراير ضد أحد أعتى النظم الاستبدادية على الأرض، وأن لا نجعل هذه القوى الظلامية التي تسربت إلى هذا الحراك الشعبي التاريخي تنتصر في النهاية حين تجعلنا نكفر بالخيار الديمقراطي المكفر ضمنيا من قبلها، يجب أن لا نتوجس من هذا الخيار بل نستفيد من أخطائنا حياله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى