العالم

ما هي آليات تعاطي الإعلام العالمي مع النزاع الأوكراني؟

إليك هذا المشهد.. “صورة لعائلة أوكرانية اختطفها الموت الذي حملته مدافع الهاون الروسية التي تدك الأحياء المدنية الأوكرانية، حيث تُسجى جثتهم على الطريق العام بينما يقوم مواطنون أوكرانيون اختاروا التطوع وحمل السلاح للدفاع عن بلادهم بثياب نصف عسكرية رفقة جنود نظاميين بتفقد الجثث علَّهم يتمكنون من إنقاذ الضحايا، ولكنهم لم يتمكنوا من فعل شيء، ليقفوا عاجزين وسط نظرات تملؤها الحسرة”.

رواية مؤثرة تستفز المشارع الإنسانية اختصرتها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية ذائعة الصيت، بصورة فوتوغرافية كبيرة في صدر صفحتها الأولى لأُم وولديها قُتلوا بالقصف الروسي العشوائي على بلدة إربين القريبة من العاصمة الأوكرانية كييف، في موقف يحمل بُعداً إنسانياً مليئاً بالدلالات في إجراءٍ وُصف بالتاريخي مثَّل تحولاً لافتاً عن سياستها التي تحظر نشر الصور العنيفة أو إظهار وجوه الضحايا، شأنها في ذلك شأن كافة وسائل الإعلام الوازنة.

تحوّل تاريخي تزامن مع اهتمام لافت في الصحافة الغربية بوقائع الحرب الأوكرانية وتغيير جذري أظهر تعاطفاً محموماً مع الجانب الأوكراني، في إطار زخم دولي معادٍ لروسيا يتخذ ما يشبه التعبئة العامة في ظل تحالف غير معلن، يتخذ صوراً عسكرية واقتصادية وإعلامية، حيث ترى الدول الغربية المتعاضدة في الحلف الدفاعي الناتو أيَّ انتصار لروسيا في الساحة الأوكرانية خطراً يهدد السياسة القطبية الأحادية التي رسختها الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وهو من الخطورة ما يدفع الوسائل الإعلامية الممولة أو الداعمة للحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة خاصة، للتماهي مع حالة التعبئة الإعلامية وإن كانت تتوشح بحجج التعاطف الإنساني.

مشترك إنساني يدفع للتعاطف والتضامن، ولكنه لم يبرز في أزمات حول العالم شهدت أحداثاً دموية وخلّفت حصيلة بشرية مفزعة للضحايا، ونتج عنها أفواج مليونية للمهاجرين والنازحين الفارين من ويلات الحروب، حيث حرصت وسائل الإعلام الغربية حينها على تجاهلها بل تبنّي معايير صارمة من الحياد توازن بين أطراف الصراع.

الأصوات المدافعة عن نهج نيويورك تايمز بررت موقفها بأن ما يحصل في أوكرانيا الآن يستوجب كسر التقليد القديم بعدم إظهار أعمال العنف، ولأنه لم يعد في الإمكان إشاحة النظر عن أهوال هذه الحرب وأبعادها المأسوية على الأوضاع الإنسانية المتردية ساعة بعد ساعة ويوماً بعد يوم… ولكن مرة أخرى لماذا أوكرانيا؟

لا يمكن فصل تحليل التعاطي الإعلامي مع الأزمة الأوكرانية عن طبيعة الصراع وأطرافه، فرغم بشاعة الحروب التي لا تُميزها جغرافياً ولا تحدّ من أضرارها حسابات العرق والدين إلا أن لكل حرب استثناؤها، فلطالما كانت المسميات والعناوين مسألة فارقة في تناول الحدث الإخباري ومن خلالها يمكن حساب درجات الحياد والموضوعية لتتعدد الأسئلة التي تحسمها أقلام الصحفيين وألسنتهم فيما يطّلع عليه الجمهور، هل المعركة حرب بين طرفين أم هي غزو؟ هل المقاتلون الأجانب الداعمون لطرفي النزاع مرتزقة أم مقاومون؟ هل حرب الشوارع تكتيك عسكري محمود أم أنه وسيلة تتخذ المدنيين ومدنهم دروعاً وسواتر بشرية؟ هل الدعم المالي والعسكري لأحد طرفي النزاع تمويل مشروع أم أنه ضلوع وشراكة في سفك الدماء؟ أسئلة عند الإجابة عنها يتضح البون الشاسع والاختلاف الكبير في تعاطي كبريات المؤسسات الإعلامية والصحفية مع النزاعات حول العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى