كتَـــــاب الموقع

ما بعد الحرب الأخيرة               

حمزة جبودة

مع أولى المشاهد التي خرجت فيها قوات الجيش الوطني، نحو العاصمة طرابلس، تخيّلت على الفور الصور التي ستُصدّرها لنا آلة الحرب، والتي عادة ما يكون أبطالها مدنيين وأطفال وعائلات نازحة ومفقودين. قُلت في نفسي وقتها: “ليتكم قدّمتم الاعتذار لكل الليبيين، أو أعلنتم أنكم تحوّلتم لرجال أعمال وأمراء حروب في آن معا.. توقفوا عن الكذب، ثماني سنوات نسمعكم، لا فائدة منكم، لم تقدموا لوطنكم أي شيء، باستثناء مضاعفة أعداد القتلى والمصابين، وتدمير الممتلكات العامة والخاصة. ليتكم ساهمتم في نهضة مؤسسات البلاد، وتراجعتم قليلا عن دور الوصاية، وتركتم مهام الحماية لأهل الاختصاص، الشرطة والجيش. ثماني سنوات كانت كفيلة بإنقاذ وطنكم، ثماني سنوات كانت كافية لصُنع وِفاق حقيقيّ، بين كُل الليبيين. لكنكم لم تسمعوا أصوات المطالبين بالأجهزة الشرعية والرسمية للدولة، وبأن تعودوا لبيوتكم وشكر الله سعيكم”.

 

وهُنا تحضر التكهّنات ما بعد الحرب الأخيرة، التي ستُحدّد لاعبين جُدد وستُزيح آخرين بقوة السلاح. والسؤال الأهمّ اليوم في كل هذا، لم يعد من سينتصر في هذه الحرب الأخيرة؟، بل ماذا بعدها على وجه التحديد؟!. لأنها ستقلب كل شيء رأسًا على عقب، سواء انتصرت القيادة العامة للجيش الوطني أم “الثوّار”.  وهذا ليس مُهمًا على كل حال، الأمر لم يعُد من المُنتصر. علينا أن نفهم أن هذه الحرب هي الحرب الأخيرة. وعندما أقول الأخيرة، أعني أن كل الأطراف نزلت بثِقلها على الأرض، وسيخرج المنتصر بأوهام أكبر قد ترتقي إلى ما لا نتوقّعه أبدًا.

 

على رأس قائمة الخاسرين من هذه الحرب يتربّع فائز السراج، والأسباب كثيرة، أهمها أن الكتائب المسلحة ستُبسط سيطرتها بشكل أكبر وسيكون رئيس المجلس الرئاسي، أكثر ضُعفًا مِمّا كان عليه، إن “انتصر” معسكره أو ما يُحسب أنه ينتمي له، في المعركة. ولهذا على السراج أن يُهيّأ نفسه بشكل واقعي لما بعد الحرب. لأنه سيكون أكبر الخاسرين، فالكتائب المسلحة ستبدأ مرحلة جديدة معه، مرحلة دفع الفواتير والابتزاز بشكل أكبر مِمّا كان عليه، وستعيد على مسامعه في كل مرة: نحن من أبعدنا خطر المشير عنك، لم يعُد لك إلا أن تُنفّذ ما نطلبه منك، لا أحد سيقفُ معك وكل القرارات ستمرّ من خلالنا نحن فقط. وأمام المجتمع الدولي ستنكشف حقيقة “جيشك” وسيكون موقفك أسوأ أمام حلفائك، أين هي المؤسسة التي كُنت تتحدث عنها وتدّعي  أنها تقوم بمناورات عسكرية؟ هل أجبرت أحدهم على فِعل هذا؟ عليك أن تعرف جيدا أن أغلبية الليبيّين والليبياّت دعموك، لكنّك اخترت الجماعات المسلّحة ولم تعمل حتى على تقوية الشرطة وإزاحة المسلحين بشكل تدريجي.

ثاني الخاسرين، معسكر القيادة العامة للجيش الوطني، والمشير خليفة حفتر، سيخرج مُنهمكًا من الحرب، بعد أن بدأها منذ سنوات، حين أُطلقت عملية الكرامة ضد الجماعات الإرهابية ومَن خَلفَها. وإن كان يطمح لرئاسة البلاد يجب أن يتخذ الطرق الرئيسية للحكم، عبر الصندوق الانتخابي، وبإشراف دولي، لضمان نجاح العملية الانتخابية. فلا مجال للدولة العسكرية أو الدولة الدينية. على المشير أن يفهم جيدا، أن واجبه تجاه بلده يُجبره على أن يختتم مسيرته العسكرية، بالتراجع، أو الدخول للانتخابات.

 

سيُركّزُالمجتمع الدولي، أنظارهُ أكثر على “المشير”، فحفتر ما بعد الحرب لن يكون كما قبلها، سيكون أكثر تقيّدًا، الاستحقاقات اللاحقة ستكون رِهانًا حقيقيًا في مسيرته، وعليه أن يثبت حينها أنه أنهى مُهمّته وسيتجه للمعركة السياسية، في الانتخابات. وعودة الجنود والضباط إلى معسكراتهم. لا مجال حينها للمناورات السياسية، لأنها إن حدثت، سيخلق حفتر أعداء جُدد لهُ، وستتضاعف قائمة خصومه.

 

الأسوأ في الحرب الأخيرة:

 

وفي هذا السياق من هذه التكهّنات الخطيرة، لا يُمكن إغفال اللعبة الأكثر شهرة في عالم الفوضى، تصفية الحسابات للمنتصر. لن يتجرأ الطرف الخاسر على الحديث، فالمعادلة ستتغير. وسيتغير معها المجتمع الدولي من تلقاء نفسه. دع عنك تصريحاتهم ووعودهم.

 

هذه السياقات التي تُهديها نشوة النصر، تصنع نهايتها دون أن تشعر، لحظة انتقامها من المنهزم. وإن تخيّل نفسه يملك الأرض بطولها وعرضها، وأن لا منافس لهُ. ولن ينجوا إلا بطريقة واحدة، وهي: لا إقصاء لطرف، وفتح الباب للجميع. باستثناء الذين ساهموا في دعم الإرهاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى