مقالات مختارة

ليس بالسلاح وحده يهزم “داعش”

شيرزاد اليزيدي

بعد دحره في العراق ومن ثم في سورية، حيث أسدلت معركة الباغوز في ريف دير الزور، ستارة فصل سقوطها العسكري الأخير، أقله في مناطق شرق الفُرات، بدأ التهليل لنهاية تنظيم “داعش” الإرهابي على قدم وساق حول العالم، ما ينطوي ولا ريب، على قدر عال من التبسيط والاعتباط والانتشاء. ذلك أن الهزيمة العسكرية، كما لا يخفى على أحد، ليست محك دحر الوعي الإرهابي المُعشعش في ثنايا البُنى التحتية العميقة اجتماعياً وثقافياً في العالمين العربي والإسلامي واجتثاثه. وليس سراً أن القضاء المُبرم على هذا الخطر، مُرتبط والحال هذه، بتطور صيرورات التحول القيمي الديموقراطي ودينامياته بالمعنى العريض، الضعيفة في ألطف توصيف، الأمر الذي قد يستغرق عقوداً حتى لا نقول أكثر. فالواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي البائس في هذا الجُزء من العالم، العابق بالأُحادية، والتطرف، والاستبداد، والإرهاب، والتخلف الحضاري المُتمظهر في مُختلف مناحي الحياة ومجالاتها، يُوفر دوماً أرضية خصبة لإفراز أنماط وعي وحراك مُتطرفة وشاذة وإعادة إنتاجها مرة بعد مرة.

ليس المقصود هنا بطبيعة الحال، التقليل من شأن الانتصار العسكري الجزئي على “داعش” على يد قوات سورية الديموقراطية (قسد) وعمودها الفقري: “وحدات حماية الشعب” والتحالف الدولي، لكننا في صدد التحذير من الارتماء في أحضان نظريات توهم نهاية منظومة الوعي الـ “داعشي” الذي فرخ بدوره من سلفه الـ”قاعدي” وهكذا دواليك…

ولئلا نفاجأ بظهور “داعش” أكثر بربرية وتوحشاً بعد أعوام، حتى لا نقول أشهر، ينبغي وضع استراتيجيات أُممية طويلة الأمد لمقارعة مُستدامة للإرهاب بمعناها الشامل، وبما يضمن تجفيف المنابع الفكرية المُفرخة لهذه الظواهر والحركات الإرهابية البالغة الخطورة، المُتسمة ببُعدها الدولي العابر للحدود والقارات، وذلك عبر تحفيز القيم والمبادئ الديموقراطية، القائمة على الاعتراف بالآخر وتقبله والتعايش معه، لاسيما ونحن نتحدث عن موزاييك من القوميات والديانات والمذاهب في هذه المنطقة، وعلى اعتماد مبدأ الشراكات والتعاقُدات الوطنية المؤطرة بديموقراطيات توافقية تعددية، تفسح مجال الاستقرار واستتباب الأمن والسلم، وتالياً التنمية المُتناغمة سياسياً وثقافياً وفي مختلف سياقات الاجتماع والإنتاج الإنسانيين، بمعناها الواسع والمُستدام.

هذا كُله في حاجة بطبيعة الحال إلى ترسيخ قيم العدالة الاجتماعية والحُرية والتعددية السياسية، وتمكين المرأة، والإصلاح الديني، وتطوير مناخات الإبداع والتصنيع والبحوث العلمية والمعرفية، والارتقاء بمختلف القطاعات الإنتاجية واقتصاد المعرفة، واعتماد مناهج تربوية وعلمية حديثة وعصرية، تغرس هذه المبادئ وتحقنها في شرايين المجتمع.

هي ولا شك حزمة تكاد تكون شبه مُستحيلة في ظل الواقع القاتم المتردي في ربوعنا، بل ربما تبدو غارقة في التنظير الحالم، لكنها الوصفة الوحيدة للخروج من عُنق زُجاجة الاستبداد والإرهاب. ولا بد دوماً من بداية. ويبقى المهم الشروع فيها، إذ ليس بالسلاح وحده يُهزم الإرهاب ويهزم “داعش”.

المصدر
الحياة
زر الذهاب إلى الأعلى