اهم الاخبارمقالات مختارة

ليبيا ومتلازمة النفط

د. جبريل العبيدي

ليبيا البلد العربي المنكوب منذ سنوات بسبب الفوضى وإهدار ثرواته، خصوصاً النفطية التي تعدّ مصدر الدخل الوحيد الحالي للبلاد، تكاد تكون على حافة الإفلاس، رغم أنها تعد إحدى أغنى دول المنطقة نفطياً، إذ تقدَّر الاحتياطات النفطية المؤكدة فيها بنحو 47 مليار برميل، إلا أن النفط بدلاً من أن يكون مصدراً لسعادة المواطن الليبي تحول إلى مصدر تعاسة له ولعنة تلاحقه، بسبب تلاحق الأزمات المصطنعة، وفشل سياسات الاستثمار الأفضل لواردات النفط المالية، جراء الصراع على السلطة.
خسائر القطاع النفطي تسبب بها تضرر البنية التحتية بالحروب المتكررة أو التوقف عن الإنتاج أو حتى قِدَم البنية الصناعية للنفط وتهالكها وحاجتها إلى التطوير، كما أكد البنك الدولي في تقرير له أنه لا يتوقع استعادة النفط قدرته القصوى في الإنتاج قبل عام 2020، أي قبل أن يتم إصلاح البنى التحتية التي تكبدت أضراراً فادحة، وكذلك بانتظار استتباب الأمن وعودته وتحقيق الاستقرار السياسي.
ومع تفاقم أزمة نهب وسرقة النفط الليبي من أشخاص وجماعات وحتى من شركات أجنبية، كما يتردد، صرح سيغال ماندلكر، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية الأميركي، بالقول: «تقوم الخزانة باتخاذ إجراءات لكشف وإنهاء أعمال تهريب الوقود وغيرها من الأنشطة غير المشروعة التي يقوم بها هؤلاء الذين يستغلون النفط الليبي والمنتجات النفطية والموارد الطبيعية الأخرى لتحقيق مكاسب شخصية، ونحن نقوم بقطع هذا النشاط اللامشروع والمزعزع للاستقرار من خلال عزل الأفراد والشركات والسفن الضالعة في تهريب النفط عن النظام المالي العالمي».
في الوقت نفسه جاء بيان المؤسسة الوطنية للنفط، وهي الكيان الشرعي المخول له التعامل مع النفط والغاز الليبي، بشكل مخالف، مؤكداً أن «هذه التسريبات عارية عن الصحة وغرضها إحداث بلبلة في الأوساط المحلية وزعزعة ثقة الشعب الليبي بمؤسساته الرسمية»، وذلك في وقت تجاهل فيه بيان المؤسسة تصريحات النائب العام الليبي التي أكد فيها تهريب الوقود المدعوم بأكثر من 8 مليارات دولار من ليبيا إلى دول الجوار.
المؤسسة الوطنية للنفط التي تعاني كثيراً من المشكلات رغم أنها تكاد تكون المؤسسة الوحيدة الموحدة في بلد يعاني الانقسام والتشظي السياسي، هي اليوم في أمسّ الحاجة إلى مساعدة عربية وإقليمية كنوع من المشاركة والاستثمار في مجال النفط لتحقيق نقلة حقيقية في الاقتصاد الريعي الاستهلاكي القائم، والتخلص من إرثه الثقيل، فالاستثمار استراتيجية طويلة المدى لكسب النقود… هذا هو التعريف المبسط لكلمة استثمار «Investment». ولعل المتابع للاستثمار الأجنبي في ليبيا، يلاحظ أنه لا يخرج عن الاستثمار الاستهلاكي ما بين مطاعم الوجبات السريعة وفنادق سياحية وشاليهات بحرية، بينما المواطن في أمسّ الحاجة إلى الدقيق لصناعة الخبز، قوته الأساسي، أي منتفعات استهلاكية تستنزف خيرات البلاد ولا تعود بالنفع على أهل البلاد، فالسياسة الاستهلاكية تجعل من الشعوب مستعمَرة اقتصادياً وتحوِّلها إلى شعوب استهلاكية غير منتجة وغير ذات منفعة، فلم نلحظ أي مشاريع أو مصانع صناعية ضخمة لتنهض بالبلاد من «سباتها الصناعي والتنموي» حتى لا تغرق في «مستنقع الساندويتشات السريعة»، فتعلم الصناعة هو الهدف والغاية، والاستثمار في بناء الإنسان هو السبيل الأمثل لضمان اقتصاد مستقر وقابل للحياة، وليس بهجرة الأموال إلى الخارج بذرائع مختلفة.
إلى أن يعود النفط نعمةً لليبيين لا نقمةً عليهم، سنكون في حاجة إلى سياسة اقتصادية ناجحة تترجم الكلام إلى فعل.

المصدر
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى