أخبار ليبيااخترنا لك

ليبيا.. معضلة أميركا وخوف مستقبل سوريا

218TV | ترجمة خاصة

نشر مركز دراسات “أتلانتيك كاونسول” في واشنطن مقالا تحت عنوان هل مصير سوريا سيكون مستقبل ليبيا؟ وقد تركز المقال على أخطاء السياسة الأميركية تجاه سوريا وترددها الذي أتاح لروسيا بسط نفوذها على المنطقة، ونبه المقال إلى أن روسيا مؤهلة للعب دور مماثل في ليبيا بعد نجاح استراتيجيتها في سوريا، وجاء فيه:

في 17 فبراير، سيحتفل الليبيون بذكرى ثورة أدت في النهاية إلى إسقاط وقتل معمر القذافي، ما أنهى حكمه القمعي الذي دام 42 عاما، هذه الذكرى السنوية وغيرها في المنطقة هي ذكرى مؤسفة لكيفية مقارنة التوقعات في أعقاب الربيع العربي مباشرة بالواقع على الأرض بعد 7 سنوات، وكثير من البلدان التي سعت إلى إقصاء زعيم استبدادي تجد نفسها الآن في ظروف أسوأ مما كانت عليه، وقد واجهت ليبيا وسوريا على وجه الخصوص عنفًا شديدًا منذُ عام 2011، وفي كلتا الدولتين، سمح الفراغ السياسي والأمني والانقسام الداخلي لتنظيم داعش وغيره بالبروز والنمو.

في سوريا، مكّن هذا الفراغ نفسه روسيا من الحصول على النفوذ العسكري والمشاركة في الصراع، ومن المرجح أن تستخدم روسيا الظروف الحالية غير المستقرة في ليبيا اليوم لمصالحها الخاصة، كما فعلت في سوريا، منذ أكثر من عامين.
وقد أدى عجز الولايات المتحدة عن الانخراط بفعالية في سوريا إلى اتساع فراغ السلطة في البلاد، ما أتاح بيئة مواتية للنفوذ الروسي، وأدى عاملان رئيسيان إلى انخفاض مشاركة الولايات المتحدة في سوريا تمثلت في ضعف الدعم المحلي وتأثير الاتفاق النووي الإيراني، كما أدت الحروب المرهقة في العراق وأفغانستان، إلى افتقار الدعم المحلي للتدخل الأمريكي في صراع آخر في الشرق الأوسط.

وبعد تدخل الناتو عام 2011 في ليبيا وإزالة القذافي، اقتصرت مشاركة الولايات المتحدة على الضربات الجوية على أهداف داعش، وفي الواقع، يعتبر تخلي المجتمع الدولي عن ليبيا أحد الأخطاء الجسيمة التي ساهمت في تفكك الأزمة السياسية والأمنية.

وقد دعمت الولايات المتحدة وأوروبا المفاوضات الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة منذ البداية، ولكن لم تضع أي من تلك الدول ليبيا على رأس أولوياتها، ومهد عدم الإلحاح في العواصم الغربية لحل الأزمة الليبية الطريق أمام موسكو لإلقاء ثقلها خلف الرجل القوي خليفة حفتر الذي يسيطر على النصف الشرقي من البلاد مع جيشه الوطني الليبي المعلن عنه.

واستغلت روسيا التمهّل الغربي عن التدخل في سوريا واستخدمت ذريعة مكافحة الإرهاب كحافز للتورط في سوريا، وكانت أولى الضربات الجوية الروسية في أواخر عام 2015 باسم مكافحة الإرهاب، ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى من الغارات الجوية استهدفت المناطق التي يسيطر عليها المتمردون و80% منها لم تضرب الأراضي التي تسيطر عليها داعش، وعلى الرغم من أن الكرملين أعلن أن الضربات الجوية كانت ستساعد النظام السوري على محاربة داعش، إلا أن روسيا عززت النظام ضد هجمات المعارضة، وقد عرضت مكافحة الإرهاب دعما لروسيا لدعم الأسد ومواصلة الوجود العسكري في الشرق الأوسط بشكل عام، وهي نفس الذريعة الموجودة في ليبيا اليوم.

إن وجود داعش والجماعات المتطرفة الأخرى يعطي روسيا فرصة لدعم حفتر باسم هزيمة المتطرفين، والواقع أن داعش ليس قويا في ليبيا الآن كما كان في سوريا في عام 2015. ومع ذلك، لا يوجد نقص في النشاط المتطرف في ليبيا.

نفذ داعش هجمات متطورة متعددة في النصف الثاني من عام 2017، حيث شهدت بنغازي، التي كانت تعتبر من قبل أكثر المدن أمانا في ليبيا، هجومين منفصلين أسفرا عن مقتل ما مجموعه 37 شخصا وإصابة 135 شخصا خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وكان هجوم العام الماضي على حفل موسيقي في لندن مرتبطا بخلية داعش في ليبيا، ما يدل على تأثير عدم استقرار ليبيا على بلدان أخرى، ويمكن أن تكون المنظمات الإرهابية المتعددة في ليبيا، بما في ذلك داعش، بمثابة ذريعة لدعم روسي لحفتر، الذي يشبه بشار الأسد بشكل عام في حملته العسكرية لهزيمة الإرهاب.

ومن الناحية الموضوعية، يبدو أن للولايات المتحدة وروسيا مصلحة مشتركة في القضاء على الإرهاب، وأن القيام بذلك يتطلب قوة عسكرية ومع ذلك فإن زخم روسيا المعلن عن تورطها في سوريا هو كذبة صارخة فمصلحة الكرملين الفعلية في سوريا هي ترسيخ نفوذها في المنطقة ودعم نظام استبدادي، وقد تمتد استراتيجيتها إلى ليبيا.

المشير خليفة حفتر

مصالح روسيا في ليبيا متنوعة وعلى الجانب الاقتصادي، تولّدُ احتياطات ليبيا الضخمة من النفط ثروة هائلة وكذلك فاستعادة أي جزء من المليارات من الدولارات من العقود – التي وقعت في عهد القذافي يبدو مغريا، كما يمكن أيضا أن تكون جهود إعادة الإعمار مربحة للغاية، وروسيا قد يكون لها مصلحة في المشاركة، شريطة أن يدفع شخص آخر الفواتير.

من حيث رقعة الشطرنج في السياسة الخارجية، وضع ليبيا على طول الحدود الجنوبية لأوروبا يعطي روسيا الفرصة لخلق المتاعب على بعد بضع مئات الأميال إلى الجنوب.

بدأت روسيا في التحرك نحو ليبيا مؤخرا من خلال التقرب إلى مصر المجاورة. في مارس 2017، وبهدوء نشرت روسيا قوات مصر؛ ثم في نوفمبر، وقعت الدولتان مشروع اتفاق لاستخدام المجال الجوي المصري والقواعد العسكرية، بما في ذلك واحدة على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد 80 كيلومترا من ليبيا.

وقد اجتمع مسؤولون مصريون وروس هذا الأسبوع في القاهرة لبحث التعاون في الجهود الأمنية في مصر، وتم استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين روسيا ومصر بعد توقف دام سنتين.

إن مساندة مصر منذ فترة طويلة لحفتر يدعم مبادرة روسيا في ليبيا، على مدى العام الماضي، حاولت مصر أن تضع نفسها كوسيط لدمج مختلف الفصائل في جيش ليبي موحد من خلال تسهيل المناقشات في القاهرة، وقد استفادت روسيا بالفعل من قرب مصر وتقاسم المصالح الاقتصادية والاستراتيجية والأمنية في ليبيا.

الصداقة الروسية المصرية تعزز أهداف كل طرف في المنطقة ومشاركة روسيا آخذة في الازدياد، وبمساعدة روسيا، يمكن لروسيا أن تؤثر على نتيجة الأزمة الليبية، كما فعلت في سوريا.

ومع ذلك، فإن تصرفات موسكو في مصر لا تتفق مع خطابها بشأن الأزمة الليبية، حيث أيدت روسيا علنا الحل السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة، كما استضافت موسكو حفتر وكذلك حكومة لعقد اجتماعات ثنائية، وعلى الرغم من أن روسيا على ما يبدو تدعم حل الأمم المتحدة، فمن المهم الاعتراف بالتشابه مع الصراع السوري.

وقال بوتين نفسه “لا يوجد حل آخر غير الحل السياسي” في سوريا، ومع ذلك، تدخلت موسكو عسكريا وغيرت مسار تلك الحرب، لذلك؛ لأن موسكو دعمت الحل الدبلوماسي في سوريا بعد إجراء تدخل عسكري، وخطاب موسكو لصالح الوساطة الدولية لا ينبغي أن تؤخذ على القيمة الاسمية في الساحة الليبية .

لكن هناك اختلافات صارخة في مسرحي النزاع السوري والليبية التي قد تسبب انحرافا في نوايا روسيا في كل مسرح، فضعف جميع الفاعلين في ليبيا، فضلا عن الاختلافات في السياسة الخارجية الأمريكية، قد يغيّر من خطة روسيا، ففي سوريا، كانت المعركة معقدة ودينامية للغاية وكانت السيطرة على الأرض تتبدل بين الأسد والمعارضة فلم يظهر أي فائز واضح.

أما في ليبيا، فلا توجد جهات فاعلة قوية بما فيه الكفاية لاحتضان نفس درجة التبدّل والحالة على الأرض في ليبيا متوقفة، وأقوى الفاعلين؛ أي الجنرال حفتر، ضعيف جدا في السيطرة على البلد كله وحده فمن ناحية، ونظرا للوضع غير السليم، قد تكون المشاركة في ليبيا مكلفة لروسيا، فالاقتصاد الروسي غير مزدهر في الوقت الحاضر ودعم جيش حفتر سيكون بفاتورة مكلفة.

ومن ناحية أخرى، فإن حقيقة أن أي فاعلين آخرين في ليبيا لا يشكلون تهديدا مساويا لحفتر قد يدفع روسيا لتدخل مباشر، وبالإضافة إلى ذلك، ونظرا لقلة عدد السكان، فإن تكلفة النفوذ في ليبيا ستكون أقل منها في سوريا.

وأخيرا، إذا كان الصراع السوري ينحو لصالح الحليف بشار الأسد، فإن الكرملين سيكون له قدرة أكثر للتركيز في أماكن أخرى.

وهناك مجموعة أخرى من الفروق الديناميكية التي تؤثر على المسرح الليبي، فالفراغ الذي خلفته إدارة أوباما في سوريا بسبب التركيز الشديد على الاتفاق النووي الإيراني وتدني الدعم المحلي للتدخل في الشرق الأوسط يعود بالنفع على المصالح الروسية، وخلافا لما هو الحال في سوريا، لا يوجد اتفاق نووي للنظر فيه أثناء العمل مع الميليشيات على الأرض في ليبيا، لذلك، يجب على البيت الأبيض الحالي أن يوازن بين عدد أقل من برامج السياسة الخارجية المتضاربة في ليبيا.

قد يؤثر انخفاض الدعم لمشاركة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على الصراع الليبي بنفس الطريقة التي أثر بها في سوريا، ولا يزال الدعم المحلي للتدخل عند مستويات متدنية مماثلة كما كان عليه الحال في عام 2014.

ووجد استطلاع أجراه مجلس شيكاغو مؤخرا في عام 2017 أن 20% فقط من المستطلعين وافقوا على زيادة الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، لذلك، يمكن لروسيا أن تتوقع بعض التردد الأميركي في المشاركة في ليبيا.
في هذا الوقت لا يشكل الوضع في ليبيا أولوية بالنسبة للإدارة الأمريكية، ومع ذلك، وبسبب الجمود السياسي في العملية السياسية في ليبيا، يمكن أن تتغير الظروف على الأرض في أي يوم، وقد يشكّل قرب ليبيا من أكبر حلفاء أميركا المزيد من الاهتمام إذا تحول الوضع إلى الأسوأ.

وإذا أبدت الولايات المتحدة نفس الإحجام عن المشاركة التي قامت بها في سوريا، ستتاح لروسيا الفرصة لزيادة جهودها للتدخل بفعالية في ليبيا، وقد قللت القوى الغربية في البداية بشدة من رغبة روسيا في دعم الرئيس السوري بشار الأسد والعواقب الجيوسياسية المترتبة على ذلك.

وبالنظر إلى الظروف المواتية المماثلة في ليبيا، فإن الأسلوب الروسي الانتهازي للسياسة الخارجية، ونجاح روسيا في إنقاذ نظام الأسد، سيكون من الخطأ الافتراض بأن الكرملين سيتوقف في سوريا، ومن جانبها تقول الإدارة الأمريكية الحالية إنها لا تميل إلى تكرار نفس أخطاء السياسة التي ارتكبها سابقتها في سوريا أو في أي مكان آخر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى