مقالات مختارة

ليبيا لن تكون منفى لإرهابيي إدلب

د. جبريل العبيدي

خفايا سيناريوهات الحل في إدلب لم يُكشف عنها بعد، ومنها الأخطر حول مصير مقاتلي تنظيم «القاعدة» المسمى «جبهة النصرة» أو «تحرير الشام»، والتنظيمات المرافقة لها في التوجه العقائدي، وإن قال الرئيس التركي إردوغان: «المعارضون سيواصلون البقاء في إدلب، وإن وجود الإرهابيين في سوريا لا يقتصر فقط على إدلب»، في ما يبدو محاولة استباقية منه لتبرير وشرعنة وجود الإرهابيين في هذه المدينة، دون أن يذكر شيئاً بشأن مصير هؤلاء الإرهابيين، وكيف سيتحقق السلام، ومنطقة منزوعة السلاح، في ظل وجود إرهابيين «ليسوا» طرفاً في الاتفاق، كما يزعم إردوغان. فالحل ليس فقط في سحب الأسلحة الثقيلة منهم، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح؛ الأمر الصعب المنال وغير الواقعي مع جماعات تتمترس خلف السلاح حتى الموت. الحل قد يكون كما قال أحد قادة المعارضة السورية، فاتح حسون: «إنّ الحلول للإرهابيين في إدلب تتراوح بين التدوير الداخلي والتدوير الخارجي والتصفية بالوسائل العسكرية».

الحقيقة أن هذه التنظيمات التي تعج بها إدلب، بتسميات مختلفة، من «أحرار الشام» و«صقور الشام» اللتين ترتبطان بالإخوان المسلمين وقطر بشكل مباشر، بالإضافة إلى «جيش المجاهدين» و«هيئة تحرير الشام»، و«لواء الحق» و«جند الأقصى» المنشقة عن «داعش»، هي جميعها تنظيمات وميليشيات إرهابية، ولا يمكن أن تقبل بنزع مخالبها، أي سلاحها. وبالتالي، لن تكون هناك منطقة منزوعة السلاح إلا في محيط إدلب؛ أي دخول السلاح إلى مخابئ في البيوت. كما أن مصير عناصر هذه التنظيمات لم يشمله اتفاق بوتين – إردوغان بشكل علني، ولكنه قد يكون بمثابة التساهل مع إعادة انتشارهم.
الدول الأوروبية تتخوف من تسلل كل هؤلاء الإرهابيين الأجانب إليها؛ التخوف الأوروبي من عودة رعاياهم التابعين لتنظيم القاعدة، أو تسلل غيرهم، بعد معركة إدلب المؤجلة. وبالتالي، سعت إلى مباركة اتفاق بوتين – إردوغان حول إدلب. ولهذا، التفكير في منفى بديل كان محور المفاوضات. وبالتالي، الاتفاق بهذا الشكل المعلن، دون توضيح لمصير هذه الجماعات، لا يمكن قراءته إلا من خلال أنه مشروع خفي لإعادة انتشار بقايا تنظيم القاعدة، المتمثلة في جبهة النصرة وفتح الشام، في مواضع أخرى قد تجد فيها بعض الأنصار، وليبيا ليست استثناء، خصوصاً في ظل الفوضى والميليشيات، وتحديداً التابعة للإسلام السياسي، التي ستجد في مقاتلي جبهة النصرة والشام ضخ دماء جديدة فيها بمقاتلين متمرسين على الإرهاب، مما ستراها فرصة لإنهاء خصومها السياسيين في العاصمة الليبية طرابلس، خصوصاً وهي (أي ميليشيات الإسلام السياسي) تواجه تقهقراً أمام الميليشيات الأخرى.

ليبيا لن تكون منفى بديلاً لميليشيات «جبهة النصرة»، أو غيرها، بعد اتفاق روسيا وتركيا في إدلب، وإعادة تدوير «جبهة النصرة» وليبيا يظنونها الوطن البديل، ولكن هذا في رؤوسهم فقط، إذ أنهم سيسحقون فيها سحقاً، فليس لهؤلاء حاضنة في هذا البلد، والليبيون سيقاتلونهم بأسنانهم، والجيش سيسحقهم بعد تفرغه لهم، ولن يكون بالأمر السهل، كما يتوهم البعض، ممن ظن بوجود حاضنة مجتمعية لهم في ليبيا؛ الأمر غير واقعي ولا حقيقة يستند إليها، فوجود بعض الأنصار هنا وهناك لا يعني أنها حاضنة مجتمعية يمكن الركون إليها لاحتواء هذه التنظيمات وتوطينها.

ولكن هل ستكرر تركيا سيناريو غض البصر عن تسلل المقاتلين الأجانب، كما فعلت مع «داعش»، وإن كان هذه المرة بالاتجاه المعاكس، خارج سوريا وليس داخلها؟ وهل ستتكفل قطر – كالعادة – بنفقة نقل وتسليح مقاتلي «النصرة» وغيرهم من إدلب إلى ليبيا؟

على الليبيين الحذر من سيناريو توطين «جبهة النصرة» في الأراضي الليبية، فحذار من إرسال هؤلاء الشياطين وغيرهم إلى ليبيا.

المخاوف الأوروبية من تجمع الإرهابيين، خصوصاً الأجانب، في إدلب، كملاذ أخير في سوريا، تتوقف على الدور التركي، فقد تقوم تركيا بترحيلهم نحو أوروبا، كورقة ضغط على الموقف الأوروبي من انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وكنوع من الابتزاز السياسي.

فالتخوف الأوروبي لدرجة الرعب من عودة رعاياهم من الإرهابيين وراء العبث بتوفير ملاذ آمن للوحوش، أو وطن بديل لـ«جبهة النصرة»، وسيكون ذلك بمثابة بؤرة لتنظيم القاعدة الإرهابي ستنفجر ويكون أثرها في من ساهم في وجودها.
وبكل تأكيد، فإن الباغي ستدور عليه الدوائر، وستؤزهه أزاً.

المصدر
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى