مقالات مختارة

ليبيا المنتحرة بمتلازمة الإقصاء

نحن بحاجة لنفض غبار الوهم ودخان الغرور وبخار العجرفة، بأننا شعب مختار وبديع

 إبراهيم قرادة

وزير تونسي يهودي هو “روني الطرابلسي” في التعديل الوزاري الجديد في تونس. (من أصول أو أثر ليبي كما ينبئ لقبه). فلماذا لا نفكر بصورة اوسع وأعمق في الاختلالات؟ وهل نرى وزير ليبي يهودي؟ هل بالإمكان التعلم من تونس؟

دائماً، من وقت إلى وقت تبهرنا تونس، بعضنا يوافق وبعضنا يرفض، غير ان هناك الكثير لتعلمه من التوانسة، وخصوصاً انهم شعب شقيق، ومن اقرب الشعوب ترابطاً واشتراكاً وتشابهاً مع الليبيين.

ورغم ذلك يخالف الليبيون التونسيين. ففي حين تحاول تونس جاهدة ضم واحتواء كل مكوناتها وتنوعاتها الاجتماعية والثقافية والفكرية والسياسية، يصر الليبيون بعناد محير على السير في قهقرياً نحو التخلف والانغلاق، وعكس مسار التطور الإنساني الحتمي، والذي لا محالة متحقق، بتعمد سياسات القهر والاضطهاد والمغالبة ضد الأضعف عدديا، عبر التهميش والإقصاء والإلغاء.

وحتى لا يكون الكلام مجرداً، قد يفهمه البعض تحاملاً وجلداً للذات، فمن أمثلة الحيف الليبي الأصيل:

– رفض منح الجنسية الليبية لبنات وابناء الليبيات المتزوجات من غير الليبيين، وبعضهم عاش طويلاً في ليبيا، ولا يعرف موطناً وانتماءً غير ليبيا.

– رفض منح الجنسية للمقيمين في ليبيا، وبعضهم أقام لعقود طويلة في ليبيا، وتشرب الثقافة الليبية، وعمل في ليبيا بجد واجتهاد.

– ممانعة وعرقلة المكونات الليبية من غير العرب، الأمازيغ والتبو، من نيل كامل حقوق المواطنة الثقافية والسياسية، رغم انهم يؤدون ويقومون بواجباتهم الوطنية كغيرهم من المواطنين.

– مماطلة وتأخير وتسييس إجراءات جنسية اعداد من الطوارق والتبو الليبيين، رغم سكنهم في ليبيا لعقود طويلة وانخراطهم في اجهزة الدولة.

– مطاردة والتضييق على الليبيين المزدوجي الجنسية، وإلصاق التهم وإخراجهم من الانتماء الليبي.

– ممارسة الترفع لدرجة التمييز السلبي ضد الليبيين العائدين من المهجر، وبعضهم له عشرات العقود (عشرات من رموز ليبيا عاشوا في المهجر كالملك إدريس والباروني والسعداوي والطاهر الزاوي…)

– إهمال والتعالي على عشرات القبائل والمدن الصغيرة، كأن ابنائها من طبقة الاتباع، ضمن وحسب تصنيف القبائل القوية الشريفة.

– الترفع والتعدي واستصغار عشرات الفئات المجتمعية من ذوي الاحتياجات الخاصة او الظروف المجتمعية الصعبة. (يشمل ذلك معاملة البعض القاسية للعمالة الوافدة والمهاجرين.)

– ومن ذلك طرد وخروج يهود ليبيا من ليبيا. حجة انهم خرجوا طوعاً لا تصمد. وجدلاً، فلو هاجر بعضهم طوعاً، إلا ان المعروف ان الكثير تم إرغامهم على الخروج من ليبيا. كما ان لا احد يملك وطنياً وأخلاقياً وقانوناً (سواء محلي او دولي) يملك حق سبغ او سحب الانتماء الليبي جماعياً وفردياً.

مجموع هذه التنوعات المجتمعية ليس ولن يكون صغيراً لا في العدد والتأثير، وقد يتجاوز نسب مئوية معتبرة. واخراجها من معادلة الوطن والدولة، اذا كان ممكنا بالاستقواء والتغول، غير هذه التنوعات ستجد وسائل للمقاومة والانتقام، والذي سيدفع الجميع ثمنه في مزيد من التخلف والفوضى والخسران.

مثال حاضر وجلي، هو عدم تسوية وتطبيع اوضاع العديد من الطوارق والتبو وعدم منحهم أوراق المواطنة الثبوتية سينتج عنه مضاعفات جدية، نرى بعضها في جنوبنا. فعدم التسوية سينتج عنه شعور سلبي منهم اتجاه الوطن والدولة الليبية، وسيلجأون إلى كل ما يمكنهم من أجل تسوية اوضاعهم. وقد يضطر بعضهم إلى الاستعانة بامتداداتهم الاجتماعية او بدول خارجية لتحقيق التوازن وضمان الحماية. وكذلك، ففتح باب تسوية الأوضاع سيوفر فرصة فرز المستحقين من المدعيين، الذين يستغلون حالة الارتباك الراهنة. مع الاعتبار، ان القوانين الإنسانية والدولية ستحكم في صالح تسوية اوضاعهم. أرجو ان لا يفهم ما سبق بأنه دعوة لانفلات الأمور بل المعالجة القانونية المنضبطة كما هو معمول به لدى الدول الواعية.

التساؤل، هل الليبيين اذكى واحرص من الأمريكان الشماليين والجنوبيين والأوروبيين الغربيين والشرقيين والأتراك وباقي الدول الأفريقية والآسيوية، الذين لا يعرفون الصواب من الخطأ والمفيد من المضر؟ فقط، هي الشعوب البداونية المتضخمة بالنقاء الهوياتي والطهارة العرقية والتسامي الطبقي الآي تقترف ذلك، والتي لن تتوقف تلقائياً حتى الفناء اندثاراً، ما لم نتعلم ونطبق التضامن والتكافل والتشارك.

وبالمناسبة، فمشروع الدستور الليبي المقترح مليء حد التخمة بالجمود والانغلاقية والتضيقات والقيود الغير واقعية واللا عملية، والمجافية لمباديء الإنسانية والمواطنية، والمنافية لشروط المتطلبات المستقبلية والمرونة حسب مقتضيات الضرورة، مما يجعلها سبباً لتوالد الأزمات المتكررة بدلاً من ان يكون منظماً وناظماً وضامناً مطئمناً.

واخيراً، نحن بحاجة لنفض غبار الوهم ودخان الغرور وبخار العجرفة، بأننا شعب مختار وبديع وعبقري واستثنائي يختلف عن باقي الشعوب. نعم نحن شعب عريق وكريم غير ان الرقي والجدارة ليست اجترار “هدرزة” ذاتية، بل ما نعيشه اليوم من عجز وضعف، وما ينتظرنا من تحديات مستقبلية تواجه الأجيال الحاضرة والقادمة. فليس كافياً ما نعتقده في أنفسنا، بل وأيضاً كيف وأين يصنفنا العالم، قريبه وبعيده.

مسائل عديدة في تصوراتنا وسلوكياتنا تحتاج للتفكير، إما لانها غير واقعية أو ان الزمن عفى عليها. علينا ان نفتح عقولنا من أجل النجاة، فالذي لا يتطور يفنى، ولن تجدي معلقات البكاء. فلماذا لا نفكر، مع ضرورة الإبعاد العمدي المزيدات والتشنجات والشطحات الغوغائية والديماغوجية الصادرة عن المغرضين، والتي تغرقنا بصراخها الأجوف في الوحل.

نقلا عن صفحة الكاتب على الفيسبوك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى