اهم الاخبارمقالات مختارة

ليبيا … الخاشقجي وإدلب وموائد الإعمار

سليمان البيوضي

لا أحد مهتم، أو يريد الحديث عن المنجز الذي حققه الجيش الليبي، بإلقائه القبض على هشام العشماوي، أحد أهم قياديي الإرهاب في شمال أفريقيا، وما سبّبه من إحراج حقيقي للقوى الإسلامية، وحلفائها الإقليميين في ليبيا، حول شرعية المعركة ضد الإرهاب في درنة، ولا أحد يريدُ التحدّث عن وتيرة الأحداث المتسارعة في سوريا، بل إنّ الليبيين تبعا لاصطفافاتهم الفكرية والأيديولوجية، ينهمكون في صراع جانبي، دونما اكتراث لمستقبل مقاتلي إدلب، وانعكاسه على ليبيا، الكلّ منشغلٌ بالخاشقجي ومتابعة وتيرة الأخبار العاجلة المتعلقة بمصير جثته بعد إعلان مقتله في 20 أكتوبر 2018.

للأسف تبدو قصة جمال خاشقجي أشبه بالقشة التي تعلق بها الجميع، فهاهي دول العالم الحر، وفي مقدّمتها دولتي فرنسا وألمانيا التي يستعد زعيماهما للجلوس إلى مائدة إعادة إعمار سوريا، عبر القمة المرتقبة مع نظيريهما الروسي والتركي، بعد أن سبقتهم الصين – جميعا – بإعلان نيّتها المشاركة بإعادة الإعمار.
إن الدول الغربية التي لطالما تغنّت بحقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية، لا تجد حرجا في الحديث عن إعادة الإعمار وانتصار الأسد في حربه، متناسية مشوارا طويلا من العذابات لأبناء سوريا، بفعل تدخلهم، ومحاولة دعم ربيعها الذي تحوّل لخريف دامٍ.

هذا التناقض المرعب يُبين لأي مدى وصل العالم في سقوطه الأخلاقي، وهو يثبت قطعا أن الخاشقجي هو قميص عثمان الذي سيرفعونه ليغسلوا به خطاياهم على أسوار ادلب، ومن يدري فلربما – طرابلس ليبيا – هي غايتهم.

وقبل الخوض في القضية الليبية، وتداعيات الوضع السوري عليها، لا بدّ من الإشارة إلى أن التصعيد التركي ضد المملكة العربية السعودية، والذي يظهر فيه أردوغان كحامٍ للحرية والديمقراطية، يخفي في طيّاته نهجا جديدا لتركيا، للتموضع في المشهد السوري، بالتقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية، حليفة الأكراد، وتخفيف حدّة المواجهة مع روسيا في إدلب.

و في الوقت الذي أعبّر فيه عن الأسى لخبر مقتل الخاشقجي، وأُبدي تعاطفا إنسانيا مع عائلته و ذويه، فإنّي أيضا أدعو بألّا يكون مقتله مركز الأحداث في ليبيا، فجرائم الإخفاء القسري والقتل على الهوية والحرابة، تحصد عشرات الأرواح كل يوم في بلدنا.

إنَّ معركة إدلب هي أهم القضايا التي يجب أن يتابعها الليبيون من كثب، لأنّ تداعياتها ستكون مباشرة على بلدنا، ففي الوقت الذي بدأ المجتمع الدولي بالالتحاق بمأدبة إعادة إعمار سوريا ما بعد الحرب، بات الحديث عن هواجس سوريا الجديدة على الأرض الليبية.

و هي مؤشرات ترتعد منها الفرائص، لمن كان له قلب وعقل سليمين.

إنّ الحديث عن إيجاد مخرج سلمي للأزمة في إدلب وتجنيب مقاتليها الحرب يدعو لأكثر من الخوف، لأن ما يتجاوز الخمسين ألف مقاتل يقبعون هناك، ففي الوقت الذي تسعى فيه أنقرة للحل السلمي فإنّ دولا غربية وعربية ترفض أي حل قد يتسبب في تسرب المقاتلين ونشر الإرهاب في الإقليم بشكل أوسع، ولقد أشار كلّ من الرئيس فلاديمير بوتن وعبد الفتاح السيسي إلى رفضهما نقل المقاتلين في إدلب إلى مناطق صراع أخرى، وبالطبع فهما يقصدان ليبيا بشكل مباشر، وهو ما يعني وجود نية مبيتة لذلك، عليه: فإنّ على الليبيين أن يتنبهوا جيدا لما هو قادم؟

لقد كان المجال الحيوي لليبيا ودول الطوق خلال العام الماضي في قلب الصراع الإقليمي، وجرت محاولات علنية لتطويقه من الساحل الأفريقي خارجيا بالشراكة والاستثمار، أما داخليا ففي محطات مختلفة تمت محاولات لتعطيله بالصدامات الموضعية، و تعززت فرص تلك المواجهات بفعل غياب السلطة والانقسام السياسي الحاد، وتنامي فساد المؤسسات، بل إن أوصياء الله الراديكاليون حاولوا تفجير الوضع على كامل التراب الوطني، قبل أن يعيدوا تموضعهم مدعومين من دول إقليمية ودولية ويسعون لبسط وتعزيز نفوذهم في المنطقة الرخوة من ليبيا – غربها – و فيما يبدو أنها كانت من ضمن سيناريو واضح لنقل المقاتلين إليها من سوريا عند الحاجة.

إن مسألة نقل المقاتلين باتجاه ليبيا ليست مستحيلة أو صعبة، و يمكن لليبيين أن يعودوا بذاكرتهم للأعوام 2012 وما بعدها حتى 2014 عندما دعت أطراف ليبية بشكل علني المتطرفين للالتحاق بهم للجهاد في ليبيا، و ما تلا ذلك من انهيار في ليبيا، تدهور أمني واقتصادي واجتماعي وسياسي.

إن القوى الليبية والحركات السياسية الوطنية باختلاف توجهاتها وأيدلوجياتها، مُلزَمة بشكل حقيقي بالوقوف في وجه أي محاولة لنقل المقاتلين إلى ليبيا، وعلى القوى المتحكمة في القرار السياسي أن تدرك حجم المخاطر المحدقة بليبيا، فهذه العملية ستفرض على دول الإقليم والاتحاد الاوروبي والدول الكبرى، التدخل المباشر في ليبيا، وفتح الباب على مصراعيه لسيناريوهات أشد فتكا من الانفجار الكبير في عام 2014، بل هو صوملة دامية ستحول الإقليم بأكمله لكرة ملتهبة، وبعيدا عن الموقف المبدئي من التدخل على الأرض في ليبيا من قبل الدول الحليفة والمعادية، فإنهم جميعا في النهاية سيشجبون اختفاء خاشقجي آخر، وسيجلسون في غياب الليبيين إلى مائدة إعادة إعمار بلدهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى