كتَـــــاب الموقع

ليبيا الحرب المنسية وجيوبوليتيك الطاقة الدولية

 218TV

الجزء الثاني

سليمان البيوضي

ما تشهده منطقتنا من إرهاصات لتغيير مراكز توزيع الطاقة ، هو جزء من الصراعات الكامنة و المعلنة بين الدول الإقليمية ، و التي تعمل على فتح مجالاتها الحيوية مع تلقيها الدعم من دول كبرى فاعلة في المنطقة ، السعودية و مصر و تركيا هي أبرز اللاعبين في المشهد الجديد لتوزيع مراكز الطاقة ، فتركيا تسعى لتحويل ممر البسفور المائي لمركز حيوي لنقل الطاقة بعد فشل إطلاق خط أنابيب نابوكو من أذربيجان و روسيا لنقل الغاز باتجاه اوروبا ، و أعلنت تركيا أنها ستتعاقد مع إسرائيل لمد حط للغاز باتجاه اوروبا ، و حاول اردوغان حل الازمةً العالقة بين تركيا من جهة و قبرص و اليونان من جهة أخرى ، و هو يسعى بذلك لمحاولة الإستفادة من الاكتشافات الأخيرة في شرق المتوسط ، و الذي تمثل مصر اللاعب الأساسي فيه ، لذا عمدت تركيا لمحاصرة المجال الحيوي لمصر و السعودية من الجنوب ، و عقدت الإتفاقيات مع الصومال و جيبوتي و السودان .

نجحت مصر مؤخرا بعقد اتفاق مع إسرائيل ستستورد بموجبه الغاز على مدى عشر سنوات من حقلي ليفتان و تمار ، و كذلك وقعت اتفاقا مبدئيا مع قبرص لمد خط للغاز باتجاه المنطقة الصناعية بقناة السويس ، رغم محاولات من تركيا لتعطيل التنقيب القبرصي و اليوناني ، بسبب النزاع الحدودي بينهم ، ان تحويل الخطوط من قبرص و إسرائيل ، باتجاه مصر لإعادة ضخ الغاز لاوروبا يعني ان اليونان و لبنان و سوريا ستكون ضمن هذا المشروع ، و بالتالي ستتحول المنطقة الاقتصادية المصرية بقناة السويس تلقائيا لأكبر مركز توزيع للطاقة في العالم ، نسبة لحجم الإكتشافات بالمنطقة .

إذ أن تركيا تسعى لضييق المجال الحيوي لمصر و السعودية ، و يرتب اردوغان لزيارة لدول الغرب الأفريقي بعد زيارته الأخيرة للساحل و الشمال الإفريقي .

و يجدر القول بأن من يستحوذ على الامتيازات النفطية بحقل ظهر المصري هي شركة ايني الإيطالية 60‎%‎ و روس نفط 30‎%‎ الروسية و 10‎%‎ البريتش بتروليوم الانجليزية ، و بالتالي اذا ما نجحت مصر في الاستحواذ على مركز التوزيع الحيوي للطاقة بالمنطقة ، سينعكس على القرار السياسي للدول سالفة الذكر ضمنيا لصالحها  .

إن منطقة الشرق الأوسط و غالب الدول الأفريقية تصنف بحسب تقارير البنك الدولي بأنها دول نامية ، و تشير التوقعات بأنها ستستهلك أكثر من 30‎%‎ من الطاقة الدولية بحلول 2040 .

السعودية و مصر تسعيان لكسر الطوق التركي لمجالاتهما الحيوية ، إذ أن تسوية مرتقبة و إغلاق لملفي سوريا و اليمن ، يقودها حلفاء للسعودية ، و يستعد مسؤول سعودي رفيع لزيارة منطقة الشمال الإفريقي لعقد شركات استراتيجية في إطار توسيع مجالها الحيوي ، رفقة المصريين طبعا .

و تمثل ليبيا نقطة ارتكاز للمجالات الحيوية و التي تسعى الدول الإقليمية التمدد بها ، و يأتي تصنيف ليبيا في المركز 17 عالميا و الأول إفريقيا في الإحتياطات المؤكدة للنفط ، و المركز 21 عالميا في احتياطيات الغاز الطبيعي ، و 5 عالميا على مستوى احتياطات الغاز الصخري ، و الأقل تكلفة عالميا في استخراج الغاز الصخري ، حيث تزخر ليبيا بكمية هائلة من المياه الأحفورية في أقصى جنوبها الشرقي و الغربي ، إذ تشير الدراسات و التقارير الدولية بأن ثلثي سكان العالم سيعانون من نقص المياه بحلول 2030 .

مما سبق يمكن القول بأن ليبيا تكتسي أهميتها كنقطة واسعة تسمح بفتح المجالات الحيوية باتجاه افريقيا و اوروبا ، و هي مركز للصراع الإقليمي في معركة المجالات الحيوية ، حتى الآن لا يمكن الجزم بأن هناك غالبا او مغلوب في معركة إعادة تغيير و تخريط مراكز الطاقة ، لكن المؤشرات تشير لأزمات عدة تواجهها تركيا و هو ما يعرقل حركتها و يضعفها ، بمقابل مساحات أوسع للسعودية و مصر ، إلا أنه من المؤكد أن ليبيا ستكون الفيصل في ترتيب الوضع الدائم لمراكز التوزيع الحيوي للطاقة في العالم و المنطقة بشكل خاص.

يتبع

لقراءة الجزء الأول اضغط هنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى