اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

لنبنِ جملة مفيدة ثم نبنِ دولة

سالم العوكلي

1

لفتت نظري عبارة باهتة مكتوبة على أحد الجدران ،كتبت فترة حراك فبراير، تقول: (ليبيا ديمقراطية) . ومن فترة قال مدافع عن حكومة طرابلس في إحدى القنوات: نريد (ليبيا مدنية).

وما لفت نظري أو سمعي في الحالتين انه لا ذكر لمفردة (دولة) ، وهي المفردة التي حرّم القذافي ذكرها طيلة حكمه لأنها تورطه في بناء مؤسسات، وتفعيل قوانين، وخضوع لمعايير تاريخية وسياسية، تشكل في مجملها خطرا على مشروعه الذي هدفه: (ليبيا قبيلة) هو شيخها، أو طائفة هو فقيهها الولي الأوحد، أو قطيع هو راعيه.

ومثلما كانت (ليبيا دكتاتورية) ولكن دون دولة طيلة العقود السابقة، أصبحت، بعد فبراير (ليبيا ديمقراطية) ولكن دون دولة، فكثير من مظاهر الديمقراطية كانت حاضرة (إعلان دستوري، انتخابات، صناديق اقتراع، منظمات مدنية، أحزاب، حرية تعبير… إلخ) ولكن دون دستور أو مؤسسات أو قوانين تضبط ذلك، ما جعلها تشبه تجربة (الديمقراطية المباشرة) في إقطاعية القذافي السابقة.

في اللغة إذا غاب الموصوف أو ما ينوب عنه انمحت الصفة تلقائيا ، لذلك دعونا ننشئ دولة أولا ومن ثم سنفكر في نعتها بما نريد، لكي ــ على الأقل ــ نبني جملة مفيدة.

2

تابعت ندوة في قناة الحدث الليبية، يشارك فيها أكاديميون ، ومن مؤسسي (التكتل الديمقراطي المدني) حول خارطة الطريق المقبلة انطلاقا من تصريحات القيادة العامة للجيش الليبي ، وفي هذه الندوة سمعت العجب العجاب. فرغم أن القيادة العامة نفسها تتحدث عن استمرار المسار الديمقراطي والدستور والانتخابات وغيرها من استحقاقات الدولة المدنية، إلا أن الأعضاء المؤسسين للتكتل الديمقراطي المدني، وأكرر “الديمقراطي المدني” كانوا مصرين على عودة الحكم العسكري ، وبعضهم أكد على حكم الفرد، الذي سيشكل حكومة كفاءات، في المرحلة القادمة، ولم يتحدثوا عن الانتخابات أو الدولة المدنية أو المسار السياسي الديمقراطي، مستأنسين بالتجربة المصرية، والمختلفة حقيقة (التي اعتبرها أجهضت المسار الديمقراطي السليم في مصر لتعود بها إلى حكم الحزب الواحد والفرد الواحد) متناسين ما يحدث في الجوار من ثورات شعبية تطالب بالدولة المدنية ، في الجزائر والسودان، كموجة أخرى من موجات الربيع العربي، ومتناسين أن ليبيا دولة محسوبة على المزاج المغاربي تاريخيا ومنتمية لاتحاده. كانت الدعوة واضحة لإلغاء مجلس النواب والإعلان الدستوري ، وهما بكل عيوبهما ما تبقى لنا من ثورة فبراير التي ضحى فيها الآلاف بأرواحهم من أجل تحقيق أهدافها في الديمقراطية والدولة المدنية، ولا يحق لأحد أن يطالب بإلغاء مجلس النواب (الذي اعتبره أنا أسوأ مجلس نواب في العالم) إلا القاعدة الشعبية التي انتخبته، مثلما أنهت المؤتمر الوطني السابق، وعبر انتخابات جديدة تأتي بجسم تشريعي بديل، ولأن هذه القاعدة هي مصدر الشرعية أشكر د. جازية شعيتير التي أشارت إلى الشعب، لأول مرة في الندوة، والحوار المجتمعي والمصالحة التي من المفترض أن تكون ركائز المرحلة القادمة : أقول بوضوح : أن نُهبّك في بيستا وطريق مملوءة بالحفر صوب الديمقراطية أفضل من أن نعود في أوتوستراد مضاء تحفه الأشجار من الجهتين صوب الاستبداد. سيظل الجيش الليبي الذي اكتسب شرعيته من مجلس النواب أهم ما حدث على الأرض في هذه السنوات لكن لا تورطوه في السياسة لأنها ستشوه مهنيته ودوره الأهم في حماية الوطن والدستور وكل استحقاقات بناء الدولة المدنية، كما لا تعطوا لأعداء الجيش ورقة يلعبون بها ضده ، وهي عسكرة الدولة، الورقة التي فندتها القيادة العامة في برنامجها للمرحلة القادمة، ومازلتم مصرين عليها.

3

(أنا لم أسمع السؤال ، ولكن دعيني أجيب).هذه العبارة التي تبدو كأنها مقتبسة من أحد نصوص بيكيت في مسرح العبث، لا يمكن أن تسمعها إلا في إحدى القنوات العربية . ولكي يكتمل المشهد (البيكيتي) تدعه المذيعة يجيب عن سؤال لم يسمعه، ثم توجه له سؤالا آخر ، سمِعَهُ هذه المرة، ولكن ما قاله لا علاقة له بإجابة السؤال . تقول المذيعة : وصلت الفكرة ، وتشكره على توضيحاته المهمة متمنية أن تلتقي معه في مداخلة أخرى.

4

شاعت طرفة عن تسمياتنا نحن الليبيين للأشياء بعكس معناها الحقيقي وكانت الأمثلة : تسمية الفحم الأسود بياض، والنار عافية، وسخان الشاي براد … إلخ . وهي تسميات ابتكرها حس التفاؤل الذي كان يجيده الليبيون.

غير أن ما جد في هذه الظاهرة هي تسمية الحكومات الليبية:

حكومة الإنقاذ التي وضعت البلاد على حافة الهاوية وأغرقت كل الآمال في إنقاذ الدولة

حكومة الوفاق التي لم يكن فيها حد أدنى من الوفاق، بل كرست الخصام إلى أبعد حدوده :

الحكومة المؤقتة التي تغيرت أو سقطت حكومات العالم كله وهي مازالت قائمة ومؤقتة .

غير أن هذه التسميات المناقضة للحقيقة لا تمت للتفاؤل بصلة لكنها ارتبطت بالتشاؤم الذي أصبح يجيده الليبيون.

ولله في خلقه شؤون.

5

على ذكر النوم والخلايا النائمة ، الاتحاد الأوروبي عبّر عن قلقه من وجود بعض الإرهابيين والمجرمين المدرج بعضهم على قوائم مجلس الأمن الدولي في القتال ضد قوات الجيش الليبي.

حكومة الوفاق قالت إن هجوم حفتر كان السبب في إيقاظ تلك الخلايا الإرهابية (النائمة).

والله يا حكومة الوفاق أنت اللي (نائمة) في العسل، أما هؤلاء الإرهابيون الذين منذ سنوات يقاتلون في الشرق والجنوب والغرب لم (يناموا) أبدا.

6

حارب القذافي، وداعش، والسلفية، الزوايا الصوفيةَ والصوفيين.

أنا مسلم وكفى ، ولست مختصا في دراسة هذه النماذج ، لكني أميل إلى الصوفيين لأسباب أحبها: فهم لا يمارسون الوصاية على الناس، ولا يتبنون العنف، ولا يعتبرون أنفسهم الفرقة الوحيدة الناجية، ولا يُكفِّرون غيرهم، ولا يُقصون أحدا، وهي صفات كما اعتقد تليق بروح الإسلام وبروح نبيه.

المنطق يقول: إما القذافي وداعش والسلفية على حق أو الصوفيين على حق، والله أعلم.

7

وأخيرا:

يجب أن نكون سعداء ، حتى لو كان ذلك من أجل كبريائنا فقط . ريمي دوغورمو .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى