مقالات مختارة

لماذا يا أمازيغ ليبيا؟

إبراهيم قرادة

منذ اندلاع الحرب على طرابلس، قبل ستة أشهر ويوم، لا يمر يوم أو أيام إلا ويزف الأمازيغ كوكبة من فلذات أكباد الوطن مرتقية إلى باريها عز وجل، وإلا وينضم لقوافل الجرحى ثلة من شجعان الأمازيغ.

لا أقول هذا فقط لأنني منهم، بل ذلك هو الواقع.

فلماذا؟

إجابات عديدة وتفسيرات عدة وتوضيحات متعددة لذلك، منها:

1- أنهم يدافعون عن امتيازات في طرابلس، والرد أن عموم أمازيغ التحقوا لثورة فبراير في بداياتها ومقدمتها، عندما كانت الثورة مشروع خطر وخطير، بثورتهم كانت مقاومة ورفض لاضطهاد الغائي طويل مورس بحقهم، ومن أجل استرداد وتمكين الحق الأمازيغي الممنوعين منه في وطنهم. صحيح، نسبباً، أنه في الفترة ما بعد التحرير 2012- 2014، تحصل الأمازيغ على مساحات حقوقية وسياسية وإدارية، وفرت الفرض لنضال الحق الأمازيغي.

غير أنه منذ 2016 تراجع الحضور الامازيغي بشدة، حقوقياً وسياسياً وإدارياً، كنتيجة لمآلات عملية فجر ليبيا، عملية الكرامة، واتفاق الحوار الوطني.

وحتى حجة وجود بعض الأمازيغ في مفاصل الدولة في متهافتة، فمنذ 2016 لا يوجد ولم يتواجد أمازيغي في أي وظيفة قيادية مؤثرة، وبعض الأشخاص المتقلدين لوظائف رفيعة ليست رئيسية بل ترضية تكتيكية، مثلما كان الحال في العهد السابق.

ولهذا فانضمام عموم أمازيغ ليبيا لعملية بركان الغضب لم تكن للمحافظة على امتيازات وتفضيلات.

2- إن مليشيات أمازيغ ليبيا المتواجدة في طرابلس تريد أن تحافظ على نفوذها، وهنا وللتاريخ فالجماعات المسلحة الأمازيغية كانت أول الجماعات التي عادت بأسلحتها الخفيفة والمتوسطة والثقيلة إلى مناطقها في الجبل وطرابلس بعد إعلان التحرير، وفي حين “القوة الوطنية المتحركة” المتكونة قوتها البشرية من أمازيغ طرابلس وسكان من طرابلس وجنزور في الغالب، هي أيضاً تقلص حضورها جداً تنفيذاً للترتيبات الأمنية المواكبة لاتفاق الصخيرات، وهذه الترتيبات كانت انتقائية باستثنائها وتمييزها لصالح مجموعات مسلحة معروفة. عند انطلاقة الحرب على طرابلس تحشد أعضاء القوة الوطنية المتحركة رغم قلة العتاد وحصار الإمداد وانضمت لقوات بركان الغضب المتصدية لقوات الكرامة، دفاعاً على طرابلس.

أي أنه حجة المليشيات المسيطرة على طرابلس لا تصمد أمام الواقع.

3- إن شباب الأمازيغ هم مرتزقة تعودوا للحرب من أجل المال، الواقع الموثق أن أغلب المتطوعين الامازيغ تركوا جامعاتهم ووظائفهم وأعمالهم، فيهم الطالب والطبيب والمهندس ورجل الأعمال والضابط.. أي انهم تركوا ليس فقط أهلهم بل مصادر دخلهم. أي أنهم تطوعوا دفاعاً عن قضية ولم يتطوعوا طمعاً ولا تغريراً.

4- إن أمازيغ ليبيا واقعين أو تابعين لتيار الإسلام السياسي، الانتخابات الوطنية والمحلية السابقة، وتوجهات المجتمع المدني في المناطق الامازيغية توضح أن حضور الإسلام السياسي فيها لا يختلف عن حضوره في كل مناطق ليبيا، بل إن هناك مناطق ليبية أخرى تتميز بحضور إسلامي أبرز.

إذن، لماذا اصطف عموم الأمازيغ في صف الدفاع على طرابلس؟

بعد دحض التسويقات السابقة، يمكن تلخيص الدوافع في:
1- اختيارهم الاصطفاف ضد قوات الكرامة هو اختيار للدولة المدنية الديمقراطية التعددية، لأن خبرتهم مع الحكم العسكري كانت مريرة جداً، إضافة أن خطاب الكرامة لم يكن مطمئناً لهم ابداً. وإن الأمازيغ كطبع تاريخي تطبعوا بمقاومة ورفض أي نظام لا يراعي حقهم الامازيغي.

2- إن مدينة طرابلس في الوجدان الامازيغي العام هي مدينتهم- كما هي لليبيين- وإن تواجدهم فيها أصلي وأصيل، وأنهم يشكلون فيها أحد أكبر الكتل السكانية، وبالتالي هو دفاع عن مدينتهم وعن أنفسهم.

ما سبق، لا يجب ولا يجب أن يقرأ من البعض، سواء بسذاجة أو تربص، أنه خطاب عنصري، بل خطاب وطني بجدارة. خطاب ليس مطلق الصوابية، ولكنه خطاب إيجابي ، ينبه سياسيا لحقائق حالية ومستقبلية مؤثرة في كل ليبيا مطلوب اعتبارها، وخصوصاً في غرب ليبيا وامتداده الجنوبي، من زوارة وطرابلس إلى غات وأوباري مروراً بجبل نفوسة، اأي امازيغ الساحل والجبل وطوارق الصحراء. وهو الوجود المؤثر خلال كل مراحل التاريخ الليبي، ومنه الحديث والمعاصر.

المسألة الامازيغية والحق الامازيغي لم يخفت صوتها ولم تبهت حضورها، إلا أن غبار الحرب الراهنة ودويها يجعل مشاهدة البعض ضبابية.

إن خطاب الواقع هو أرشد وأرصن وأقصر وأدوم الطرق للسلام الوطني والسلم المجتمعي والتعايش الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى