كتَـــــاب الموقع

لماذا لم نبنِ دولة مدنية؟

مروة هابيل 

إن قوة الخطاب الجماهيري هي المحرك الذي يدفع الأفراد للتشبث بثورتهم ضد ثورة الموت في حقول الحروب ورياح الدمار .. قوة الخطاب الجماهيري التي نستطيع تحويلها إلى طاقة بشرية عملاقة  .. لصقل كل معطى لقوى مادية تصبح قاعدة وصف أساسي لمواجهة الجسم المصاب .. الجسم المريض الذي يهدد بناء الحضارات .
لماذا !
لماذا لم ننجح في بناء دولة مدنية .. ما بين التستر والتعصب .. ما بين شعار العشيرة والتناقض الاجتماعي والكبت اللفظي .. تهديدات خفية .. وأمة مشلولة من شحمة أذنها للنخاع ..
إن الأفكار يا سادة هي الأيدي العاملة لهذا القرن .. إن الأفكار يا سادة تنجب شعوبا لديها الحق في تحديد مصيرها .. إن صناعة الخطاب ونسج أفكاره .. لا يرد الصاع صاعين .. ولكنه يغير مصائر الأمم .
بلا مقاومة لا يوجد مستقبل .

الخطاب الذي يصاغ بالطريقة الصحيحة .. هو خطاب سيغير الناس .. وإذا غيرت الناس .. فأنت قد صنعت أمة .. وإذا ما صنعت أمة .. فأنت تصنع التاريخ .
الخطاب الصريح القوي .. الخطاب الذي يعرف صاحبه الفرق بين الحقيقة والوهم .. الخطاب الذي يريد صاحبه النهوض بانحطاط الأمم .. الخطاب الذي ينوي خلاله انتشال الأشخاص من أسفل الحضيض .. وإخبارهم بأنهم يتعرضون للخداع والدجل .. إن الخطاب الصادق .. سيكشف رعونة سادة التهديد والوعيد .. سيكشف غوغائية الموروث الهزلي الهزيل .

التغيير صراع لا بد من حدوثه من بعد ظلم وظلام ساد .. إن الكلمة الصريحة قوة .. فإن كانت كلمتك هي قوتك .. فماذا ستقدم لحاضرك وماذا ستقول!  فلتكن البداية بالمصالحة .. فإن للمصالحة قدرتها علي التغيير الجذري وإحداث المنفعة .. والتغيير الذي سيبدأ بمشاريع المواطنة الحقة .. حين يتوقف توظيف العاطفة في صفوف الجهل ودك السيوف على أعناق المجتمعات .
الشعارات الشعبوية هي التي ستنحي بل تسقط .. تزامنا مع إدراك الجمهور بأنه لا يجب أن يتنازل عن حق الحياة وعن حق الحرية والكرامة بعيدا عن الأدلجة .. إن إحدى منافذ السجن السيكوباتي الذي وقف علي دعامة النهي والأمر .. أن نأخذ بالأمثال والنماذج والأمثلة .. أن تكون المقارنة صريحة جدا ونهجا مع النفس في كنف المواجهة .. القدرة على استنباط المسلمات والحقائق والعلم والمشاهدة .. والعفو عن الميراث الفكري حتى يستبدل بمهارة أكثر فعالية .. ألا وهي اكتساب الفضيلة .. ذلك ان الاكتساب يؤثر بجهد ومجهودات وبذل عقلي فردي في النهاية سوف يقوده المنطق ولا شيء سوي المنطق .. لماذا اكتساب الفطرة !  لأن الفضيلة هي الفطرة الإنسانية .. وليست محاربة المجتمعات وإعدام الطرف الآخر لأنه ليس أنا .
الأمر ليس بمعجزة.. الأمر يبدأ ببساطة فور بداية كل فرد بنفسه .. أحد أسرار النجاح في منظوري وأهمه هو قيام كل فرد بواجبه فحسب .. وإن كان جزاز العشب أو صانع الفطائر .. كلنا مهمون .. والدور الذي يقع علينا هو مسؤوليتنا تجاه مجتمعاتنا .. وفي مجتمعي يقع الدور علي الأفراد بالتجرد من الأوهام والسخافة والتفاهة والسذاجة والبذاءة والابتذال علي حساب مستقبل الأجيال .. إن خطر الأفكار هو بمثابة خطر المقاتلة والقاعدة وداعش والوهابية والإخوان والإرهاب وغيرهم الكثير من أوجه عملة الدكتاتورية وسلطة القوة وحمامات الدم والسطوة والتهديد والوعيد وضرب رقاب الناس وحشر حناجرهم في براكين الموت .. إن جريمة التمويه هي تيار سياسي يقطع أغلال الأفراد ويخصي صوت المنطق في عقول الصغار الذين هم في جاهزية دائمة للقبول والصقل ..
من هو العدو وكيف نستطيع حمل الأجيال القادمة علي مواجهته .. العدو هو مظاهر اغتصاب الكرامة واستئصال الأفراد عن أدميتهم .. وحشرهم في منظومة واحدة .. وتكديسهم في صفوف النعاج وروث القطعان متنازلين تباعا عن احتضان ركب الحضارة والمضي في حقن مرض الملل التي ستبصق في صحوننا شهواتها وتنهرنا كما تساق الدواب .. تتلون أوطاننا بلون الشحوب والهلع والقبح وتأكل أرحامنا وكل شبر من مؤسساتنا .. إن عفريت السلام اليوم قد رقص مقطب الجبين .. غير قادر على إيجاد عرش لكل شياطينه .. وإنه قد نطقت حواسي اليوم لهذا الخوف .. وغيرتي على وطني المعلق في الهواء .. إن عدو الإنسانية يكشر اليوم عن أنيابه اللزجة ولحيته النتنة  يزداد في حدته وحاجته .. ابتذالا علي عقولنا وإهباطا لقدر معرفتنا الفطرية القديمة  الأولى .. قبل مشرق شمس وهج المعرفة .. في جوف درايتنا المطلقة .. بالفارق الذي غطته اليوم أعين الغرابيل .. ولحن يقلد غريزة حيوانية معقدة .. باعتلاء مفاتن حور العين .. معرفتنا الأم .. بالفارق الدقيق جدا .. بين القبح والجمال .. بين النحر والسلام .. بين البعير وأقمشة الموت .. وأنوار وزينة وباقات أعياد الميلاد .

فإن كانت قوة الخطاب الجماهيري هي ما تستطيع تحويل المبادئ الصحيحة إلى طاقة بشرية عملاقة ..
فأين خطابكم اليوم !

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى