مقالات مختارة

لحسن الحظ.. مهنتنا باقية

سلطان السعد القحطاني

قضيت اليومين الفائتين في مؤتمر، وورش عمل مطولة، ضمن فعاليات قمة شبكات التواصل الاجتماعية، التي احتضنتها دبي، وكان الشغل الشاغل للجميع هو كيف سيكون شكل مستقبل هذه الصناعة، وهل مهنتنا في خطر؟.. نعم، نحن نواجه هذا السؤال الوجودي، ولكن الحمد الله مهنتنا باقية، وسوف تتمدد.

 

كانت هذه الهواجس تراودني أنا والزميلة المذيعة المتميزة زينة يازحي، ونحن نحاور الإعلامي المعروف عبدالرحمن الراشد، الذي كان لديه إيمان بأن المهنة باقية، وبأن تقنيات الصحافة تتغير، تبعاً لتطور شكل الحياة التي نعيشها، لكن المحتوى هو القاسم المشترك، الذي سيبقى ما بقيت هذه المهنة.

 

هذه هي الإجابة الذهبية التي تختصر كل الحوارات المتواصلة عن شكل المستقبل. وبودي لو يغلق أحدهم الباب سريعا على هذا النوع من الحوارات قائلا: إنه المحتوى يا ذكي. البقية تفاصيل. مجرد تنويعات على الشكل الأساسي، وأدوات لتسويقه.

 

لن تنجب التقنيات الجديدة، وأقنية التواصل الاجتماعي، صحافيين جددا، بل أشكالا جديدة من الصحافة ذات المسار التقليدي، بقواعدها المهنية القوية، وأسس المصداقية التي تنبع منها. هذا هو الأساس الصلد الذي سيدور حوله المستقبل، وكل من يحاول البحث عن نجومية خارج هذا المسار، فسينتهي مع الوسيلة التي كان نجمها، ما لم يتعلم بالطريقة الصحيحة التي خرج منها رجال المهنة، وحرفيوها.

 

نعم المحتوى باق لأنه هو الأساس الذي يغذي جميع أشكال الأقنية الإعلامية. الورق كائن لا مستقبل له، وها هو يتقهقر عيانا بيانا، دون أن يختفي، فسيظل موجوداً لكن قيمته المعنوية ستندثر بكل تأكيد. علينا ألا أننسى أنه في قرن من القرون كانت الدول تتصارع من أجل الملح، والبهارات، والفحم، واللؤلؤ. كلها لا تزال موجودة حتى الآن، لكن أهميتها المصيرية اختفت لصالح عوامل جديدة.

 

لا يمكن أن تحل وسائل التواصل أو صحافة المواطن بديلا للصحافة المحترفة، لعدة أسباب أهمها التفرغ التام للمهنة، ومستوى الحرفية العالي، والمصداقية التي بناها رجل المهنة على مدار سنوات طويلة. أيضاً القدرة على خلق القصص باستمرار، ومتابعتها. بينما صحافة المواطن ليست سوى اجتهاد فردي مؤقت، لحدث عابر، ولا يمكن لها الديمومة.

 

لا تزال للمؤسسات الإعلامية التقليدية مستواها العالي من الحرفية والمصداقية، رغم بعض الاستثناءات العابرة التي رأيناها مؤخراً. لا يوجد ما هو أخطر على الصحافي، ومؤسسته، من الوقوع في أسر أيدلوجية معينة، أو معركة ثأر. هذا يسلب المؤسسة روحها، وشرف المهنة التي لابد أن تكون حارسته الأمينة. كان هنالك مؤسسات دولية كبيرة على مستوى الإعلام كنا نعتبرها المرجع الذي لا نراجعه، بيد أنها فشلت في تطبيق الحد الأدنى من الشروط المهنية في بعض القصص التي تنشرها.

 

إن التحديات التي يواجهها الإعلام كبيرة جداً، الأمر الذي أحدث حالة من عدم اليقين داخل عقول الصحافيين أنفسهم. هل ستبقى المهنة؟ نعم. لا أرى بديلاً لنا نحن الصحافيين في المدى المنظور، إنما علينا أن نتجدد دون أن نخل بالأسس المهنية التي تعتبر الروح التي لا صحافة بدونها.

المصدر
اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى