كتَـــــاب الموقع

لا لظلم أو “طلم” طلبة الثانوية!

حمزة جبودة

(1)

 

موجة النقد التي صاحبت تلاميذ المدارس بعد الخطأ الإملائي، الفادح، الذي ارتكبوه في كتابة مطالبهم والتعبير عنها بشكل مُخجل.. جعلتني أقرأ مطالبهم وطريقتهم في التعبير، بشكل آخر، وهُو أنني يجب أن أتعاطف معهم وأقف مع مطالبهم.

مجموعة من الطلاب خرجوا في مظاهرة، وانتشرت صورهم على مواقع التواصل، طلاب في مرحلة حسّاسة من مسيرتهم العلمية، تخيّلوا معي موقفهم بعد أن قرؤوا ما يُكتب عنهم، أو موقف أهلهم.. الخطأ لا يتحمّلهُ الطلاب وحدهم، بل يشاركهم في تحمل مسؤوليته الذين علّموهم بطريقة تقليدية، بمعنى طريقة الحشو، لا الفهم الصحيح للحرف والكلمة، ربما أكون عاطفيًا زيادة في رؤيتي لما حدث لهم، ولكن هل سمعنا أن أحد المعلمين، اقترح حلاًّ لإنقاذهم وإنقاذ جيل كامل، بالتواصل معهم، باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لفتح حديث معهم، عبر صفحة أو قروب خاص بهم، التكنولوجيا بإمكانها أن تكون وسيلة سهلة للتعليم، وأبسطها الفيسبوك.. يكفي أنهم فكّروا في الكتابة، يكفي أنهم حاولوا تقليد الكبار في احتجاجهم، يكفي أنهم عبّروا عن أنفسهم بطريقة راقية، وهذا وحده يُشجّع القائمين على المؤسسات التعليمية على أن يكسبوهم ويقفوا معهم.. كُلّ منا له بدايات، كُلّنا تعثّرنا، وبعضنا في يوم ما كان محورا للسخرية من الآخرين، ولكن الفرق دائما، كان هناك من أصلح لنا أخطاءنا وعلّمنا ما لم نكن نعلمه.. وما زلنا نتعلّم كل يوم وكل لحظة.. حتى هذا النصّ الذي كتبته، لو دقّقت فيه، ستجد أخطاءً إملائية ونحوية، ولن أخجل إن قام أحدهم بتصحيح الأخطاء، بل سأفرح.. لأنه لم يتركني مع هذه الأخطاء، لأن واجبه نشر المعرفة والوعي قبل كل شيء.

 

(2)

 

حالة السخرية اللاذعة لطلاب الشهادة الثانوية، لم تنتبه إلى أمرٍ هام ولافت، وهو أنّ هؤلاء الطلاب، لم يتجهوا إلى الجماعات المسلحة، ولم يتورطوا في حروب باسم الثورة أو الدين أو الوطن، وفشلت الجماعات الإرهابية في تجنيدهم، وهذا هُو الأمر الذي يجب الاهتمام به، ودراسته بشكل واقعي، على هذا النحو: إن سوء تعليمهم وطريقة تدريسهم، هي من أوصلتهم إلى كتابة مطالبهم بشكلٍ خاطئ، ومن هُنا يجب معالجة الأمر بشكل واقعي، مرحلة مَن السبب؟ لن تُجني نفعًا، بل حتى محاسبته لن تُنتج إلا مزيدا من الجهل والهروب من الأزمة الحقيقية. إنما مواجهة هذا الجيل والجلوس معهُ، والاهتمام بكل حرفٍ يكتبه أو كلمة يقولها، هُو بداية العلاج. ومن ثُم مراجعة طريقة التدريس، وإعادة تأهيل المنظومة التعليمية بشكل كامل، نعم بشكل كامل، وعلينا قبل كل هذا.. أن نعتراف بأننا جميعا ساهمنا في وصول هؤلاء الطلبة إلى المستوى المتدني في تحصيلهم العلمي، علينا قول الحقيقة بكل شجاعة: نعم أخطأنا ونحن نتحمّل كامل المسؤولية، لن نستمر على ذات النهج، بل سنُصلح المنظومة ليس لأجل أجيال جديدة، بل لأجل رهانٍ عنوانه: قادرين على تطوير تعليم أطفالنا، قادرين على العمل دون مساعدات من خارج ليبيا، لو عزمنا على هذا، لن يخرج جيلا آخر، يكتب مطالبه بشكل خاطئ.

وقبل هذا كله، هل تتخيّلون معي الآن، بأننا في تلك اللحظة التي سخِرنا فيها من هؤلاء الطلبة، نحن في واقع أمرنا نسخر من أنفسنا.. لأننا لا نملك حقيقة أمرنا، نخاف أن نقع في خطأ مُماثل، نرتعب من وقوعنا في وهم المعرفة حتى لا يُكشف أمرنا!.. ما زلنا نتعامل مع العالم الافتراضي بالتبعية السائدة، من يسخر يجب أن نسخر معه، وفي لحظة الحقيقة، نخرج كُلّنا نبحث عنها، لا أستثني نفسي.

(3)

قبل أن أُنهي هذه الثرثرة، أحببت أن أقول: إننا لو ركّزنا على البيانات السياسية، التي تُصدرها عادةً الجهات التشريعية والتنفيذية وغيرها، سنجد أخطاءً إملائية ونحوية، بنسبٍ متفاوتة، وأيضا لو لاحظنا طريقة إلقاء الكلمات المُتلفزة للسياسيين سنكتشف حينها أخطاءً في مخارج الحروف وطريقة نُطق الكلمات. ما يعني أن المنظومة الكاملة في ليبيا، تحتاج إلى إعادة تأهيل، في فصلِ واحد، يجمع الطلبة مع بعض السياسيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى