أخبار ليبيااقتصادخاص 218

كيف فاقمت حمى البتكوين معاناة الليبيين؟

أزاحت تقارير دولية وأخبار محلية اللثام عن تجارة مزدهرة في ليبيا تتوسع في الخفاء وتدر مبالغ مالية طائلة على مزاوليها مسببة في الوقت ذاته خسائر اقتصادية فادحة للاقتصاد الوطني حيث تعمل في سوق مواز بعيدا عن الرقابة الحكومية وتؤدي للإضرار بقطاع الطاقة الأكثر حيوية في البلاد، إنها تجارة تعدين العملة الرقمية التي دفعت بليبيا إلى مقدمة منتجيها على الصعيد العربي.
فما هو التعدين الإلكتروني؟ وما سبب رواجه في ليبيا؟ وماهو تأثيره على الاقتصاد الوطني؟
ليبيا البيئة المثالية للتعدين الرقمي.
العملة الرقمية أو الـ Cryptocurrency هي عبارة عن عملة تعتمد نظام التشفير الافتراضي لتكون متاحة فقط على شكل رقمي، وليس لها وجود مادي. تجد مجالها في التداول عبر شبكات الإنترنت وتخضع لعمليات تعدين معقدة والتعدين هنا استعارة لغوية تشير للقائمين على إنتاجها عبر استخدام أجهزة كمبيوتر حيث تعكف هذه الأجهزة على حل خوارزميات وفك شفرات رياضية معقدة لتتحول لرصيد مالي مسجل إلكترونيا على بطاقة ذات قيمة مخزنة افتراضيا ومشفرة وبالتالي يصبح من شبه المستحيل تزوير معاملاتها أو إنفاقها مرتين.
ولكن ،،، لماذا تعد ليبيا بيئة مثالية للتعدين الرقمي؟

أجهزة تعدين للعملة الرقمية صادرتها الحكومة الإيرانية عام 2019 .
تحتاج عملية حفظ البيانات وتسجيلها في سلسلة الكتل؛ أجهزة كمبيوتر ذات كفاءة وفاعلية عالية جداً، وتستغرق عملية تعدين البيتكوين الواحدة في المتوسط حوالي 10 دقائق على الشبكة لحل البرنامج المعقد ومعالجة كتلة ما وتنتهي العملية باستخدام كمية كبيرة من الطاقة الكهربائية وهذا لا يعد مكلفا في ليبيا حيث لا يتعدى سعر الكهرباء المنزلي 004.0 دولارًا أمريكيًا لكل كيلوواط ساعة، وهو أقل بكثير من متوسط السعر في العالم الذي يبلغ 0.138 دولار أمريكي لكل كيلو وات ساعة، ولا يختلف ثمن الكهرباء المزود للأعمال التجارية كثيرا حيث لا يتجاوز ثمنه
0.008 دولار أمريكي لكل كيلوواط ساعة في ظل متوسط عالمي يبلغ 0.123 دولار أمريكي لكل كيلو وات ساعة؛ لتحتل بذلك ليبيا المرتبة الثانية عالميا من حيث رخص التيار الكهربائي بعد فنزويلا.
توافر أدوات الإنتاج، يضاف إليه عدم الحاجة للدراية العلمية العالية، بقدر الحاجة للأجهزة ذات الكفاءة، ومزود كهربائي فعال، يدعمه ضعف الرقابة الحكومية، وعجز الدولة عن ملاحقة المعدّنين في ليبيا، فجميع وحدات إنتاج البتكوين تعمل في ليبيا بدون غطاء شرعي وبعيدا عن أعين السلطات كما تغيب إحصائيات الرصد والمتابعة لنشاط شبكات التعدين مما يجعل البلاد بيئة مثالية لهذه الأنشطة.
البتكوين يغرق ليبيا في الظلام ،،،
تعاني ليبيا عجزا مضطردا في التيار الكهربائي الأمر الذي يدفع الشركة لبرمجة ساعات طرح أحمال قاسية تصل إلى 12 ساعة حيث تنتج الشركة العامة للكهرباء ما مقداره 5500 ميغاوات، وهو رقم غير كاف لتغطية الاستهلاك الذي يحتاج إلى نحو 6500 ميغاوات يرتفع صيفا إلى 8000 ميغاوات وهو ما يفوق الاستهلاك الإجمالي لدولتي تونس والأردن مجتمعتين، ويمكن أن يحمل عمليا التعدين غير القانوني عبء رفع قيم الاستهلاك، خاصة بعد احتلال ليبيا المرتبة الأولى عربيا بحسب وكالة “بلومبيرغ” الأميركية التي صنفت ليبيا الأولى عربيا بنسبة 0.13% والتاسعة عالميا في قائمة تتصدرها الصين بينما رصد مركز جامعة كامبريدج للتمويل البديل (CCAF) حيازة ليبيا لـ 0.6 % من الحصة الشهرية للتعدين في الفترة من سبتمبر 2019 وأبريل 2020 .


غرفة التحكم الرئيسية بالشركة العامة للكهرباء حيث تتولى الطرح الآلي للأحمال .
وهي أرقام ترصد قيم استهلاك عالية لا سيما  أن عملية تعدين بتكوين واحدة يستهلك 2.5 ميغاوات من الكهرباء وتستهلك العملية حول العالم حوالي 0.55% من إنتاج الكهرباء العالمي .

مخاوف من استغلال البتكوين في دعم الإرهاب.
تعد الخصائص الفنية والتشفيرية العالية للعملة الرقمية بيئة مناسبة للأشخاص والجهات التي تعمل بعيدا عن الأجهزة الأمنية نظراً لأن العملة لا مركزية أي أنها لا تخضع لسيطرة الحكومات وبالتالي غير خاضعة لأي هيئة رقابية أو منظمات حكومية ويشكل الوجه الأكثر خطورة للعملة الرقمية إمكانية استخدامها في خدمات تحويل الأموال بحيث يمكن للعميل تحويل أمواله العادية بهذه العملات المشفرة، ومن ثم، وباستخدام أنظمة الشركة يحولها إلى عميل آخر في بلد آخر ويمتاز هذا النظام بالسرعة الفائقة التي تسبق سرعة أنظمة التحويل البنكية التقليدية حيث يحصل العميل الآخر على رصيده من الأموال الرقمية التي يمكنه إما الاحتفاظ بها أو تحويلها إلى أموال عادية .
وأظهر تقرير صادر عن المعهد الفلبيني لأبحاث السلام والعنف والإرهاب أن الجماعات ‏الإرهابية المرتبطة بـ”داعش” أجرت معاملات بعملة البتكوين ووفق التقرير فإنّ “عملية غسل ‏أموال مرتبطة بالإرهاب تنطوي على عملات مشفَّرة تحولت فيما بعد إلى أموال لتمويل أنشطة شبكات ‏إرهابية‎” وفي ليبيا التي تعيش وضعا أمنيا صعبا تنشط من خلاله خلايا متطرفة يخشى مراقبون من استغلال هذه الجماعات للعملات الرقمية وتحويل ليبيا إلى بنك خلفي لتحويل وتداول الأموال الممولة للإرهاب .
المركزي الليبي يحظر التعامل بالعملات الرقمية.


المقر الرئيسي للمصرف المركزي الليبي بطرابلس
سار المصرف المركزي الليبي على خطى مصارف موازية حول العالم في حظر ومنع تداول العملات الرقمية محذرا من غياب الإطار القانوني المنظم لها الأمر الذي يجعل المتعاملين بها بعيدين عن الحماية القانونية اللازمة. وتكشف المبررات والسياقات التي أوردها المركزي المخاوف الحقيقية من تداول هذه العملات فبحسب مركزي طرابلس لا يسمح للمؤسسات والشركات التعامل بهذه العملات في محاولة لتجنب المخاطر الأمنية والاقتصادية للتعامل بالعملات الافتراضية، لاحتمالية استخدامها في القيام بأنشطة إجرامية ومخالفة للقوانين مثل غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى