كتَـــــاب الموقع

كلنا حمير ربي

 طه البوسيفي

حين كنا صغاراً، وعندما كان ينعتنا البعض بلفظة الحمار تشبيهاً بالحيوان دلالةً على النقيصة والإهانة  والاحتقار والتسخيف ، كنا نرد (( كلنا حمير ربي)) ، كبرنا اليوم _عمراً طبعاً _ وصارت الحمير الناهقة الرافسة مصطلحاً يلمع في فضاءات السياسة وتشبيهاً للأغبياء الذين لا يدركون كنه الأمور ويغضون الطرف عن الحقائق التاريخية الجلية لا يملكون المقدرة على استخلاص المدلول من المواقف، مثل أن الجيش هو الجيش البرقاوي، ولا علاقة لطرابلس وفزان به، وهنا أقول باقتضاب شديد كي أترك الرد لأهل الرد من العسكريين والمؤرخين الذين وثقوا تلك الحقبة الزمنية من التاريخ الليبي أوائل القرن العشرين وتحديداً زمان الاحتلال الفاشستي، فقط أود القول إن الجيش الوطني فكرة انبثقت لمواجهة طوفان المستعمر وتكسير آلته الحربية ، والذين قاموا بمقاومة هذا الطوفان كانوا أبناء الشعب أصلاً وانتماءً من كامل التراب ومن كل الرقعة الجغرافية دون استثناء وتلك مسألةٌ غير قابلةٍ للتشكيك، وعليكم بقراءة أسماء المجاهدين كي تتأكدوا من صدقية الكلام.

بما أن السياق يَجُرُنا إلى مرابط الحمير فلا بأس من التعريج قليلاً على هذا الحيوان الذي قُتل شتماً وضرباً وتوبيخاً.

تتميز الحمير بالصبر، يقالُ فلانٌ أصبر من حمار، وهنا نذكر الأثر عن الإمام الشعبي حين سأل عن علمه الوافر الجم كيف حصله، فأجاب: بصبر كصبر الحمار، وبكور كبكور الغراب. الحمار صبور، والصبر نصف الحكمة، ليس سهلاً أن تكون صبوراً، يحتاج إلى ممارسةٍ عبر تهذيب النفس وتلطيف الروح وتنقية القلب من الشوائب والضغائن، لا أقول هنا إن الحمير تملك الخيار في أن تكون صبورة أو متسرعة، لكنها في أسوء الأحوال تمارسه ممارسة احترافية، تضربها فلا ترد، تقودها فتنقاد، تعمل دون كلل، إذا تعودت على طريق فإنها تصل إليه بلا دليل أو حاجةٍ إلى سائس، تعمل ساعات طوال ولا تجزع أو تضجر أو تطالب بشفت صباحي أو OFF DAY

ليس عيباً أن يكون الحمار حماراً ، بذيلٍ في عجيزته ، وأذنين كبيرتين ، لكن المعيب حقاً أن نضعه في خانة التشبيه مع إنسانٍ في إطار السب والشتم والمسألة ليست كذلك قطعاً ، لكن هذا الأمر قد يأخذنا إلى محطاتٍ أعمق تتعلق بسلوكياتٍ راسخةٍ في الأذهان وملتصقةٍ بجدار العقل الباطن الذي يعمل أوتوماتيكياً ، فكي نكف عن تشبيه الإنسان بالحيوان لاعتباراتِ التصنيف والعقلانية لابد من الاقتناع بأنه كم من إنسانٍ ميزه الله بالعقل هو أحط منزلةً وأقل قيمةً من حيوانٍ سارحٍ في البراري والأحراش وآخرَ يحرث المحاصيل ويجلد بالسياط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى