كتَـــــاب الموقع

كاتم الصوت وترويض الضمير

رفعت محمد

بعد أسابيع على دخول القوات السورية بيروت عام 1987، اغتال مسلحون القيادي الشيوعي وأستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية حسن حمدان، المعروف باسم “مهدي عامل”، وفي تأبينه وقف رئيس فرع المعلومات في القوات السورية آنذاك غازي كنعان مخاطبا ، قيادة الحزب الشيوعي، بالقول “هل كان ضرورياً أن تدفعوا هذا الثمن؟”. في عبارة تحمل في طياتها ما تحمل من رسائل مبطنة، حول اليد التي وقفت وراء اغتياله، واتهمت اللجنة المركزية للحزب ما وصفتها بيد العمالة والخيانة بالوقوف وراء العملية. وقال الأمين العام للحزب جورج حاوي في تأبين المفكر، “أصبح المشهد مملاً، أليس كذلك يا رفاق؟”، دون أن يدرك أن مسلسل الاغتيالات مستمر بأجزاء متتالية، وأن الدور سيأتي عليه بعد ثلاثة عقود، ليكون حلقة في هذا المسلسل في عملية اغتيال واضحة المعالم.

لقد أيقظ اغتيال الباحث والناشط السياسي المعارض لـ«حزب الله»، لقمان سليم، مخاوف اللبنانيين من عودة آلة الاغتيالات إلى بلدهم، ومع أن الحزب أدان، في بيان أصدره، جريمة القتل مطالبا الأجهزة القضائية والأمنية ‏المختصة بـ«العمل سريعاً على كشف المرتكبين ومعاقبتهم، فإن شاهدا من أهله قد عبر عن الموقف الحقيقي للحزب الفَرِح بموت سليم، إذ كتب جواد نصر الله نجل زعيم الحزب تغريدة اعتبر فيها أن «خسارة البعض هي في الحقيقة ربح ولطف غير محسوب»، مرفقاً إياها بهاشتاغ: «بلا أسف»، ومع أن الغرّ في السياسة، والذي لم يتقن بعد فن التقية، حذف ما كتبه لاحقا، فإن كلماته المستفزة بقيت عالقة في أذهان اللبنانيين، دليلا على تورط هذا الحزب بالعملية، خاصة أنها أتت بعد عمليات تهديد متتالية من أنصاره لإسكات سليم.

إن نهج الاغتيالات ليس جديدا على حزب الله، فهو متمرس به، مدعوما بلا حدود من النظام السوري وإيران، وقد طالت ذراعه العديد من النواب والسياسيين والضباط ورجال الدين، ولم يسلم منها حتى الصحفيين والمفكرين. وقبل أشهر كشفت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أن الحزب خصص “الوحدة 121” بالاغتيالات، وفي مقدمة أعضائها سليم عياش الذي سبق وأثبتت المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري مسؤوليته عن العملية، لكن اللافت في قرارها كان تجنب أي ذكر للحزب، وكأن جريمة بهذا الحجم يقف وراءها فرد لوحده.

اكتسب حزب الله خبرة عميقة في الترويج لنفسه داخليا وخارجيا، عبر زرع الأوهام واستقطاب تحالفات مثيرة للريبة في جوانب كثيرة منها، فبعد أن كان يبرر وجوده بوقوفه رمزا للمقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، اخترع كذبة ممجوجة أخرى، تتمثل بوقوفه في وجه التشدد السني، عبر ادعائه محاربة داعش في سوريا، ومقاومة وصوله إلى لبنان، وهو أمر دفع الكثير من أعداء الأمس إلى الوقوف في صفه، ولنا في ذلك خير مثال في التحالف الذي عقده الحزب مع التيار الوطني بقيادة ميشال عون، الذي، وللمفارقة، كان وراء استصدار القرار 1559 القاضي بنزع سلاح الميليشيات اللبنانية، وكان أول أطلق سهام الاتهام إلى حزب الله في اغتيال الحريري. وامتدت إغراءات الحزب إلى قطاع كبير من “العلمانيين” العرب، فبتنا نسمع الكثير من مديحهم لرجل الدين السياسي المليشياوي حسن نصر الله، مع ادعائهم بتنديد أي شكل من أشكال التطرف، متعامين عن ممارسات الحزب التي لا تخفى إلا عن كل أعمى بصيرة، فالإرهاب وسلوك العصابة لا دين له ولا طائفة.

يعزو كثيرون حالة الانهيار التي نعيشها في عالمنا العربي إلى انهيار الرأي العربي وتراجعه أمام المال والبطش، فما عجزت عنه الرشوة تَكَفّله القمع، وهي ظاهرة تكاد تكون عالمية، ولم تعتد الأنظمة إلا سماع نغمتين التهليل والتهويل، تلوح بالثانية لتصل إلى الأولى مع المحافظة على سيف الأولى مسلطا كي لا تنسى اليد المعطية استحقاقات العازفين. ونختم هنا بمقولة أنسي الحاج “أخطر ما يُهدّد الضمير هو أن تروّضه المعرفة على اعتياد الجريمة”.

زر الذهاب إلى الأعلى