كتَـــــاب الموقع

قصتان

عمر أبو القاسم الككلي

عبور

أثناء انتظار رحلتي إلى صوفيا عن طريق روما، انتبهت إليها. كانت وحدها، ولم يكن معي أحد. رشيقة وطويلة، وعلى قدر من السمرة. بدت لي ملامحها عربية. تتحرك مشيا في مساحة ضيقة، وكنت جالسا. لكن تلقائيتها وعفوية حركتها وسلاستها شككتني في استنتاجي. عندما اتجهنا إلى الحافلة التي ستقلنا نحو الطائرة، تعمدت الاقتراب منها والجلوس إلى جانبها. بادرتها بالعربية:

– هل أنت عربية.

لم تفهم، فسألتها بالإنغليزية.

– لا. أنا إيطالية.

– ملا محك تبدو عربية.

– فعلا. حتى في صورتي في بطاقتي الشخصية أبدو عربية!.
أخرجت بطاقتها وأرتني الصورة.
قلت لها:

– لست أدري إن كان يسرك هذا أم لا.

ابتسمت وهزت كتفيها. قلت لها:
– أسألك هذا السؤال لأنني عربي. أنا ليبي.

كنا وصلنا قرب الطائرة، وشرعنا في النزول. قالت:

– أعتقد أن ما يحدث في ليبيا مسلٍ (Funny). ما الذي يجري هناك بالضبط؟!

انتهزت الفرصة وقلت لها:

– هذا حديث يطول!

وبذلك تبرر الجلوس بجانب بعضنا طوال الرحلة.

لم يكن مضى على خروجي من السجن سوى بضعة أشهر، وأزمعت القيام برحلة ترويحية.

حديثي لها في الطائرة لم يكن يركز على تسليتها بأسلوب إدارة القذافي لليبيا وتلاعبه بشعبها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، بقدر ما كان يركز على محاولة إثارة إعجابها بي والحرص على ملازمتي في صوفيا.

عندما جاء الغداء لم أكمله، لأنني كنت أكلت قبل بضع ساعات على الطائرة القادمة من تونس. حين رأت أنني اكتفيت سألتني هل يمكنها أن تتناوله. طبعا يمكنها. يبدو أن الأوربيين يتصرفون في هذه الناحية ببساطة.

عندما أحسست أن الأمور تسير بسلاسة، أعربت لها عن سعادتي بهذه المصادفة وترجمت لها، على نحو ما، المثل العربي القائل: “رُبَّ صدفة خيرٌ من ألف ميعاد”.

قالت بأنها سعيدة هي أيضًا.

ولكن، لم تكن صوفيا مرامها، وإنما كانت تمثل لها ما مثلته روما بالنسبة إليَّ. كانت وجهتها أثينا!

شَبَه

راقب كومة السكر وهي تغطس في رغوة الكابتشينو البيضاء، تدريجيا، ثم تسقط، فجأة، نحو قاع الفنجان، مخلفة دائرة يتوسطها نتوء يخالط بياضه لون بني خفيف، تبرز منه فقاعة، ما لبثت أن انفجرت، تاركة، في النتوء المستدير، دائرة بنية فاتحة، تشبه البؤبؤ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى