مقالات مختارة

قراءة في مسودة الدستور الليبي

عبدالمنعم الشوماني

اطلعت على نسخة من مسودة الدستور الليبي المقترح؛ ورأيت من واجبي أن سجل ملاحظاتي عليه وتقديمها للمهتمين لعلها تكون مفيدة، وقد حاولت أن أكون موضوعياً عند كتابتها.

مع كامل الاحترام لكل من يؤيد أو يختلف مع هذه الملاحظات، وهي:

نصت المادة(16) على أن تكافؤ الفرص مكفول للمواطنين، والمواطنات. وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير اللازمة؛ لتحقيق ذلك.

والسؤال المطروح ما المقصود بالفرص؟

في تصوري أن الدساتير عادة ما تكون مختزلة وبعيدة عن العبارات الإنشائية (مثل هذا النص) والذي ورد مبهماً.

المادة(27) المتعلقة بالأسرة؛ هي الأخرى وردت بصيغة إنشائية لا يفترض أن تورد في دستور.

المادة(37) والتي خصصت لحقي التعبير والنشر؛ عددت صور التحريض على الكراهية والعنف وأوردت من تلك الصور(العرق، اللون، اللغة) ولم تورد التحريض بسبب (الدين، والمذهب) من ضمن الصور المحظور التحريض بالكراهية عليها.

المادة(52) المتعلقة بالحق في التعليم؛ نصت على (…وتبنى مناهج التعليم على معايير الجودة؛ بما يتفق وتعاليم الدين الإسلامي، وقيمه، وثوابت الهوية الليبية…الخ)… السؤال المطروح ما هي تعاليم الدين الإسلامي وقيمه وكذلك ثوابت الهوية الليبية، ويبدو لي أن النص وضع لغاية في نفس من صاغها وهو الوحيد القادر على معرفة نطاق سريان هذه المادة ولماذا صيغت بهذا الشكل المبهم!!!

المواد المتعلقة بالسلطة التشريعية؛ تم عنونة الباب تحت مسمى السلطة التشريعية، وخصصت المادة(67) لمجلس الشورى، غير أن نص المادة يتحدث عن مجلس ( يملك اختصاصاً تشريعياً وليس استشارياً) كما تم النص في عنوان المادة، ولكن يبدو أن للتسمية مسايرة لنهج بعض الدول دون النظر في سلامته.

المادة(68) المتعلقة بمجلس النواب؛ نجدها مختصرة، في حين أن المشرع أسهب في مواد كثيرة قبلها دون الحاجة للإسهاب، ولجأ هنا للاختصار مع أن الحاجة ماسة للتوضيح ونحن إزاء وثيقة عقد اجتماعي تكفل تماسك البلد، حيث خلت المادة من النص على عدد أعضاء مجلس النواب، وكان يمكنها تجاوز عدم ذكر عدد أعضاء المجلس ، ولكن مع بيان آلية تقسيم الأعضاء بشكل واضح، ولكن تم النص على معيار(السكان) وبمراعاة العامل(الجغرافي) دون التحديد بشكل واضح ما المقصود بكلمة(مراعاة) وحدودها.

وما المقصود بالحد الأدنى للمكونات الثقافية واللغوية.

المادة(69) نصت على شروط الترشح لمجلس النواب وجاء فيها( أن يكون ليبياً مسلماً) وكان قد سبق النص في مواد من هذا الدستور على أنه يجوز منح الجنسية الليبية…الخ

وأيضا تم النص على( المساواة) بين المواطنين، ودون اشتراط قيد الدين عند منح الجنسية الليبية، وهذا يعني أنه ربما نجد في يوم من الأيام ليبيا ناقص الحقوق، علماً بأنه خلال العقود السابقة تم منح بعض الأشخاص الجنسية الليبية دون اشتراط شرط الدين.

المادة(71) نصت على اشتراط الأغلبية المطلقة لصحة انعقاد المجلس، واعتقد أن اشتراط الأغلبية المطلقة-مجحف- وغير عملي وكان يمكن النص على اشتراط الأغلبية المطلقة في سن بعض القوانين وتحديد نسبة الأغلبية المطلقة بشكل واضح.

أو النص على النسبة المعطلة في سن بعض القوانين كما هو الحال في بعض الدساتير.

المادة(75) المخصصة لمجلس الشيوخ؛ في هذه المادة تم النص على عدد أعضاء مجلس الشيوخ- على عكس مجلس النواب- الذي تم إغفال عدده، على الرغم من عدم بيان المعيار الذي تم التوصل به لهذا العدد-

حتى يكون معياراً يستعان به في توزيع مقاعد مجلس النواب على الأقل- ونجد المادة قسمت البلد إلى دوائر انتخابية أطلقت عليها اسم (المنطقة الغربية- طرابلس) و(المنطقة الشرقية- برقة) و(المنطقة الجنوبية-فزان) وهذا ارتباك واضح وضعف في الصياغة كان حرياً بالمشرع تجنبه والاكتفاء بالتسميات السابقة للأقاليم الثلاثة.

ونص في ذات المادة على حق الترشح بواقع عضوين من المكونات الثقافية واللغوية، وجاء النص مبهماً فهل المقصود عضوين بشكل عام أم عضوين في كل إقليم من الأقاليم الثلاثة، فهل يكون حق كل مكون ستة مقاعد أم مقعدين؟

المادة(80) والتي تحدثت عن اختصاصات مجلس الشيوخ بشأن بعض الوظائف العامة؛ نصت على تولي المجلس المصادقة على ترشيحات مجلس النواب لبعض الوظائف، ولم تبين في حالة عدم المصادقة هل يلزم إعادة الأمر لمجلس النواب لإعادة الترشيح أم يتولى مجلس الشيوخ الترشيح، وماهي معايير الاستحقاق والجدارة التي يتولى مجلس الشيوخ بالمصادقة وفقها.

المادة(84) والتي خصصت لنص قسم أعضاء مجلس الشورى قبل توليهم مهامهم والتي أوردت النص الآتي (أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لله، ثم الوطن…الخ) اعتقد أن هذه الجملة بحاجة لإعادة صياغة إذ ما المانع أن يكون الإخلاص كاملاً لله وللوطن.

المادة(92) والتي خصصت للانعقاد الاستثنائي لمجلس الشورى والتي وردت فيها نقاط مصيرية؛ منها إعلان حالة الطوارئ، والحرب، في هذه المادة تخلى المشرع عن شرط- الأغلبية المطلقة- فجاءت على غير عادة في سياق المواد السابقة، وعلى الرغم من أن اشتراط الأغلبية المطلقة في هذه المادة هو الأولى!!!

المادة(99) والتي نصت على شروط الترشح لمنصب رئيس الجمهورية؛ هذا المادة تضمنت نصاً(عنصرياً) يجعل المواطن الليبي(الذي والداه أو أحدهما من دين غير الإسلام) ناقص حقوق المواطنة، كما أن تضمن نصاً على اشتراط تنازله قبل سنة على جنسيته الأخرى عند الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، كيف تم تحديد معيار السنة وما الذي سوف نستفيده من هذه السنة!!!

اعتقد أن النص لايليق بدستور.

المادة(102) المخصصة لقسم رئيس الجمهورية، اختلفت صيغة النص عن نص قسم أعضاء مجلس الشورى وإن كان هذا النص هو الأسلم.

المادة(104) والتي خصصت لاختصاصات رئيس الجمهورية؛ والتي من ضمنها(إعلان حالة الطوارئ) وقد سبق منح هذا الاختصاص لمجلس الشورى!!!

وختاماً؛ من الغريب أن المشرع تجاهل تحديد أو تنظيم صلاحيات مجلس النواب في مادة مستقلة كما فعل عند تحديد اختصاصات مجلس الشيوخ ورئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، كما أن المشرع لم يوضح كيفية تعيين رئيس الوزراء وأساس اختياره هو من الأغلبية الحزبية في مجلس النواب أم للرئيس صلاحية مطلقة في اختياره!!!

كما أن النص على تولي رئيس الوزراء مهام رئيس الجمهورية هو أمر مستغرب والمعمول به في أغلب الدساتير هو تولي رئيس مجلس النواب صلاحية رئيس الدولة في حالة خلوه بشكل مفاجئ.

وتصوري أن المشرع لم تكن لديه رؤية مستقرة عند صياغة المواد المتعلقة بشكل الدولة السياسي هل هي جمهورية رئاسية أم جمهورية برلمانية أم بالنظام المختلط.

وفي الحقيقة، أن المواد المهمة في الدستور صيغت بشكل مخيب ومحبط جداً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى