أخبار ليبيا

قانون الجرائم الإلكترونية.. رقابة مقننة على حرية الرأي

218| خلود الفلاح

لماذا رُفض قانون مكافحة الجرائم الالكترونية الذي أقره مجلس النواب يوم 26 أكتوبر 2021، من قبل عديد المنظمات المحلية والدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان؟ وهل ليبيا بحاجة إلى قانون لمكافحة الجرائم الالكترونية؟ وأين تكمن خطورة هذا القانون؟ وما هي أكثر مواد هذا القانون جدلاً؟ وهل يحتوي القانون على مواد قد تكون مطية للسجن وحجب المعلومة؟

في المقابل، يقول رئيس المنظمة الليبية للإعلام المستقل الصحفي رضا فحيل البوم، إن قانون مكافحة الجرائم الالكترونية صدر دون أي تعديل أو إشارة إلى قانون المطبوعات الذي هو القانون الوحيد المنظم لعملية نشر المعلومات وتداولها على أي منصة حيث احتوى على بعض جرائم النشر مثل نشر الشائعات لتهديد السلامة العامة وغيرها من المواد التي تضع عقوبات حبسية على التعبير السلمي عن الرأي وهي مخالفة للمواثيق الدولية.

وأوضح “البوم” أنه كان من الأجدر بمجلس النواب أن ركز في قانونه على العمليات الخاصة بالجرائم الإلكترونية المتعلقة بالتقنية فقط وليس جرائم النشر والبث والتي يجب أن ينظمها ويوضحها قانون الإعلام مع ملاحظة أن العقوبات السالبة للحرية يجب أن تكون في حالة واحدة وهي جريمة نشر خطاب الكراهية والتحريض والتي قد تسبب أذى للمحرض ضدهم.

حجب المواقع والمحتوى

ويرفض الصحفي رضا فحيل البوم تخويل هذا القانون لجهة تنفيذية تابعة للحكومة صلاحية حجب المواقع الالكترونية بسبب ارتكابها لجرائم نشر أو مخالفتها لبعض المبادئ وهو في الأساس لم يُعرف هذه الجرائم ولم يُعرف أخلاقيات النشر ولا محظورات النشر إلا في قانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972.

ويضيف: ” مع ملاحظة أن قانون المطبوعات لم يُذكر في ديباجة القانون الجديد وكان الأولى إسناد مهمة حجب المواقع الإلكترونية إلى جهة مستقلة تستقبل الشكاوى أولا ثم تنظر فيها ثم تتدرج في العقوبات بدءا من التنبيه وتقديم النصح والإرشاد والتحذير ثم اخيرا الحجب”.

قانون التضارب والتعارض

اعتبر رئيس اللجنة القانونية بمنظمة ضحايا لحقوق الإنسان، احميد المرابط الزيداني، أن قانون مكافحة الجرائم الالكترونية ينتهك حقوق الإنسان أو يشجع على انتهاكها أو يُمهّد الطريق لمنتهكيها في العديد من مواده، في مخالفة صريحة للقوانين واللوائح الدولية في مجال حقوق الإنسان كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما أن بعض مواده تتسم بالتضارب والتعارض.

ويواصل: نصت المادة (5) من هذا القانون على أن المواقع الإلكترونية وأنظمة المعلومات الرقمية (ملكًا) لأصحابها، ولا يجوز الدخول إليها دون موافقة صريحة من مالكها، لتأتي بعد ذلك المادة (7) من ذات القانون لتنتهك ذلك الحق، حيث أجازت للهيئة الوطنية لسلامة وأمن المعلومات مراقبة الرسائل الإلكترونية أو المحادثات بأمر قضائي أو في أحوال الضرورة والاستعجال، ولم يبين المشرّع ماهية تِلك الأحوال ولا حدودها ولا ضوابطها، بل وجعل مسألة تقديرها مفتوحةً وعُرضة للتمادي.

وفي المادة (21) نُصَّ على أنه: يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة لكل من مزج أو ركَّب بغير تصريح مكتوب أو إلكتروني من صاحب الشأن صوتًا أو صورةً لأحد الأشخاص باستخدام شبكة المعلومات الدولية أو بأي وسيلة أخرى بقصد الإضرار بالآخرين.

ويتضح في هذه المادة التضييق الذي مارسه مشرّع هذا القانون، إذ أنه تناول مجرد المزج والتركيب دون النشر، ولم يميّز بين الشخص العادي والشخصيّة العامة، وستكون هذه المادة مانعًا حقيقيًّا للصحفيين والعاملين في مجال حقوق الإنسان وغيرهم، من ممارسة مهامهم في الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان أو قضايا الفساد أو نحو ذلك، بُحجّة أن ذلك المزج يسبب ضررًا لتلك الشخصيات على سبيل المثال.

وفي المادة (35) اتجه المُشرّع إلى تناقض غريب في ذات المادة، حيث أقرّ عقوبة الحبس وغرامة ثلاثة آلاف دينار على كُلّ من عَلِم بارتكاب أيّ من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون أو بالشروع فيها وكان بإمكانه التبليغ، أيْ أنّ (مناط التجريم) هُنا هو مجرد العلم بالجريمة. في حين أجاز المشرّع في ذات المادة للمحكمة الإعفاء من العقوبة إذا كان من امتنع عن الإبلاغ زوج الجاني أو أصوله أو فروعه أو أحدًا من اخوته، ليُناقض الفقرة الأولى من ذات المادة حيث جعل مجرّد (عِلْم) العامة مُوجبًا للعقوبة، في حين جعل للمحكمة الحق في إعفاء الأصول والفروع من العقوبة، على الرغم من أن الأصول والفروع أصحاب مصلحة في التكتم والتستر على أقاربهم وعدم الإبلاغ، على عكس العامة الذين قد لا توجد لديهم أيّ مصلحة في عدم الإبلاغ.

أما المادة (37) لم تكن استثناءً من المواد المقيّدة للحريات، حيث إن المشرّع جعل مجرد نشر المعلومات أو البيانات التي تهدد الأمن أو السلامة العامة، مُوجبًا لظرفٍ مُشددٍ حين رَفع الحد الأدنى للعقوبة من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات، دون تحديد ماهية تهديد الأمن والسلامة وجعل تِلك المصطلحات واسعةً فضفاضةً لا ضبط فيها.

وعلى جانب آخر ، يتابع الزيداني ـ ناهيك عن صعوبة الإثبات في الجرائم المرتكبة وفق هذا القانون، إذ أن هذا القانون لم يعالج هذه المسألة التي كانت ولازالت محل إشكال في الجرائم الإلكترونية. هذا القانون يحتاج إلى إعادة الصياغة وإشراك المختصين فيما يتعلق بالجرائم الإلكترونية عمومًا، مع ضرورة الموازنة بين إحلال الأمن وتطبيق العدالة حتى لا يختل ميزان القانون؛ الأمر الذي سيؤدي لِزامًا إمّا إلى عدم موائمة القانون في مكافحة الجرائم، أو لمزيد من الانتهاكات في مجالات حقوق الإنسان.

 

زر الذهاب إلى الأعلى