أخبار ليبيااهم الاخبار

في عصر المعلوماتية… هل حان الوقت لإلغاء الرقابة على الكتب؟

218| خلود الفلاح

لا نختلف على أهمية الكتب والقراءة في حياة المجتمعات، وفي الوقت ذاته نعترف أن هناك كتب يمكن أن نقول عنها غير جيدة، أو تجارية أو سيئة وما إلى ذلك.

ولكن، بعد أن أصبح العالم قرية عالمية صغيرة، وأصبح بالإمكان مشاهدة الحدث لحظة بلحظة وقت وقوعه؛ هل هناك جدوى من فرض رقابة على الكتب؟

هناك ثوابت أساسية في حياة الشعوب لا يجب المساس بها، ولابد من احترامها، ولكن يجب أن يكون للرقيب دور واضح وليس الوصاية على الفكر والإبداع.

في هذا التقرير، يُطالب المتحدثون بإلغاء الرقابة الجائرة وتوضيح أسباب منع الكتب من التداول والانتشار؟

كسر التابوهات

بدأ رئيس اتحاد الناشرين الليبيين علي المهدي عوين، حديثه، بالإشارة إلى أنه مع الرقابة الواعية والصادقة وليس معنى التدفق الحر للمعلومات في ظل التطور الرقمي في عصرنا الحاضر؛ أن يتم تداول كتب تسيء إلى المجتمع وتمس عقائده وأمنه وسلوكياته.

واستطرد: أمّا في يخص شأننا المحلي الليبي فنحن في اتحاد الناشرين الليبيين على تواصل دائم ومستمر مع الإدارة العامة للمطبوعات واهتمامنا الأول هو تكريس حرية الكلمة ودعم المبدعين وإبعاد شبح المصادرة للكتاب قدر الإمكان، علما بأن الدولة الليبية مازالت تشتغل بقانون رقابة المطبوعات الصادر سنة 1976 م ولان الدولة للأسف غائبة عن المشهد الثقافي والثقافة تأتي في آخر سلّم اهتماماتها لم يتم إقرار تعديله حتى الآن وإشارة إلى عضويتنا في الاتحاد الدولي للناشرين يتم الإلحاح علينا بضرورة تعديل هذا القانون ليواكب عصر التطور التكنولوجي.

من جانبه، قال القاص الجزائري سعيد فتاحين: إنَّ التّطرق إلى أزمة الرّقابة في الوطن العربي، تجرّنا إلى العديد من الأسئلة التي تتبادر إلى ذهن الكاتب حول العديد من الإشكاليات، خصوصًا ما يعرف بـ”المسكوتِ عنه أو كسر التابوه والخوف من السقوط في فخ الجنس والسياسة والدين”، وإنَّ تشكل أولى الحروف يعطي لنا كلمة “الجسد” التي ترهق السلطة وتخيف المجتمع وعاداته.

ويضيف: “الرقابة رفضت تداول ونشر العديد من الأعمال الأدبية على غرار رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ وشرف لإبراهيم صنع الله والخبز الحافي لمحمد شكري، وفي الكويت رفضت سلطة الرقابة بعض الأعمال الأدبية لبثينة العيسى وسعود السنعوسي”.

ونسأله، هل نستطيع الكتابة بحرية حقًا ودون رقابة؟ فيقول: من المؤسف حقاً أننا رغم تطور الأدب الرقمي وعصر السرعة، لم نصل بعد إلى تأثيث مشهد ثقافي عربي يبنى على الحريات، فالمثّقف اليوم يعيش بين سندان السلطة والمجتمع الأصم، وإنَّ مسألة التخلص من الرقابة تحتاج إلى إعادة هيكلة في كل المجالات أو بالأحرى صدام الذّات ومعرفة الطريق الصحيح لها بعيداً عن مآلات المجتمع من عنصرية واستعمال خاطئ لمفهوم الحرية في المجتمعات المدنية وحتى بعض الكتب، ولهذا إنه من المبكر أن نتحدث عن التخلص من الرقابة في بلدان لا يزال يحارب فيها الكاتب الطواحين الهوائية يومًا بعد يوم ولا يزال يحارب فيها الفقر والآفات الاجتماعية ويعيش في تيّارات متداخلة، لا يستطيع تمييز نفسه حتى والأسوأ أن يكون قلمًا أجيرًا أو مناصر ينادي بفك الرقابة لكي ينشر الكثير من الفواجع والخيبات في هذا أو ذاك الكِتاب.

 

ووصفت الروائية هند الزيادي، سؤال الرقابة في عصرنا اليوم بالسؤال المخاتل الذي يخفي نصًا ضمنيًا وراءه، فالرقابة كانت دومًا عصًا في يد السّلط القائمة، عبر التاريخ، تعاقب بها من يتجرّأ على نقدها أو الوقوف في وجهها أو الجهر بخطاب غير الخطاب السائد الذي ارتضته، والصحيح أن الرقابة مرفوضة دوما في جميع حالاتها وأزمنتها لأنّ الفكر الحرّ هو وحده الكفيل بالنهوض بالمجتمعات، وهو القادر على تغذية الاختلاف السلمي ونشر ثقافته.

رقابة مهنية

ويرى القاص سعيد فتاحين، من أهم ما نواجه اليوم في العالم العربي ثقافة تشّكل قارئ وصناعة الكِتاب. واستراتيجية فك الرقابة نظرًا لمتطلبات العصر، ولكن ليس كل الكُتب والأفكار صالحةً للنّشر، فالبعض منها تستهدف مجتمعات رافضة قلقة للصوت الآخر، وبعض الأفكار داخل الكتب أيضًا في مجتمعاتنا الضحلة مثل الديناميت الذي ينفجر مخلفًا عشوائيات ثقافية وتضييقًا جديدًا من السلطة عن طريق إعادة تفعيل الرقابة، ولأن الكتب أيضًا تشكّل تهديدًا على أعين الرقابة.

ويضيف: ” في ظلّ التّطورات الحاصلة، أضحى العمل الأدبي أشبه ما يكون منظَّمة؛ يشترك فيها الكاتب، مع مبرمج الحاسوب، الذي يعمل على وضع مؤثرات عديدة تخدم النّص وتحوّله إلى ما يشبه فيلم قصير أو بالأصح تدفق حُر ساهم في بروز الكثير من الكُتّاب والشُعراء والنّقاد. ولا يمكن أن نكتب دون الوصول إلى مرحلة بناء المعنى والرّمز والتأويل أو بالأحرى الحاسة المهمة لكتابة الأدب”.

وعلى جانب آخر، تتابع الروائية هند الزيادي: من دواعي السخرية أن العديد من السلط تمنع الكتب في هذا العصر الذي صار الانفتاح التكنولوجي عبر الانترنت أمرا واقعا وقسريًّا، فما تمنعه أنت من كتب يمكن لأي قارئ عاديّ أن يجده عبر صفحات الواب، لذلك فالمصادرة والمنع حلّان عفا عليهما الزمن ويلعبان في غالب الأحيان دورًا عكسيًا إذ يُشكّلان دعاية للكتاب ويساهمان في رواجه، ويبقى أكثر الحلول نجاعة هو إما الإهمال والترك إذا كان المحتوى تافهًا مبتسرًا أو بسط أفكار الكتاب للنقاش المجتمعي الصحّي والمجتمع هو الذي يقرر الأصلح بالنسبة إليه.

يؤمن الناشر علي عوين بضرورة وجود الرقابة، وقال: “هناك كتب تسيء إلى حرية الكلمة بانتهاكها لمعايير المجتمع وسلوكياته وعقائده، وأخرى تسيء إلى عقائد المجتمعات وتنتهك الأعراف والديانات. وهناك كتب أيضًا تثير النعرات الطائفية والدينية لمجتمع ما، وتدعو إلى القبلية والمناطقية مما يؤجج الحروب الأهلية”.

وواصل: الكتاب وثيقة دائمة وذاكرة تاريخية تستمر لأجيال وليس معنى أنه موجود على المنصات الرقمية كافة والشبكة العنكبوتية؛ أن يُمنح تراخيص تداوله وتسويقه في كل مكان.

ورغم إيماننا الكامل بأهمية وضرورة إلغاء الرقابة على الكتاب وإفساح المجال أمام الكتّاب والمبدعين بمنحهم الحرية الكاملة للتعبير وعدم تقييدهم بما يكبّل إبداعاتهم؛ إلا أننا ورغم ذلك، نقف مع الرقابة المقنعة والمهنية، ولسنا مع الرقابة التعسفية والتي تصادر الفكر الحر أو ربما نسميها رقابة الحكام والحكومات، وليس معنى هذا أن تكون الرقابة سيفًا مسلطًا ضد المثقفين والكتاب والمبدعين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى