مقالات مختارة

فيل البيئة الابيض

عادل درويش

غالبا ما تتساوى أكثر الحكومات أوتوقراطية مع الأفضل ديمقراطية في إخفائها النوايا الحقيقية «لمشاريع قومية» تطرحها بحجة بلوغ هدف إيجابي.
دعت الحكومة البريطانية لإطلاق مشروع استبدال السيارات والشاحنات ذات محركات الديزل بأخرى تسير بمحركات «أقل تلويثا للبيئة».
المشروع الخطوة الأولى على طريق سيؤدي إلى اختفاء محركات الاحتراق الداخلي والديزل من شوارع بريطانيا مع العام 2040. لتصبح الكهرباء وقود كل السيارات ووسائل المواصلات الأرضية.
كانت شركة فورد الأولى بطرحها مشروع تفكيك سيارات الديزل بمقايضة الأخيرة بألفي جنيه إسترليني إذا اشتريت سيارة (إنتاج فورد طبعا) «أقل تلويثا للبيئة» يتراوح ثمنها ما بين 12 و20 ألف جنيه؛ وأربعة آلاف جنيه إذا كانت السيارة الجديدة أكثر من 20 ألفا، أما أصحاب الشاحنات (جميع الشاحنات في بريطانيا تسير بالديزل) فقد يصل الحافز إلى سبعة آلاف جنيه تخصم من ثمن الجديدة.
قانون تنظيف هواء المدن أوصى بالتخلص من هذه السيارات في 2040 – بعد أن أدخل البيئيون وجماعات الخضر اليسارية الرعب في قلوبنا بأرقام (لو كانت حقيقية) عن عدد ضحايا أمراض الجهاز التنفسي بسبب تلوث البيئة من المحروقات وغازات محركات الاحتراق الداخلي في الشارع. 40 ألف حالة وفاة سنويا (لم يستطع أحد إثبات الأمر قطعيا) ما يروجه أصحاب نظرية الاحتباس الحراري (الآن استبدلوا عبارة «الاحتباس الحراري» بعد فشل كل توقعاتهم بفيضان يعجز نوح عن مواجهته كان يفترض أن يحدث عام 2015، بـ«التغير المناخي» المستمر منذ ظهور الحياة على كوكب الأرض).
قبل 15 عاما اتجهت سياسة حكومة العمال بزعامة توني بلير وبروباغاندا البيئيين إلى تحفيز الناس لاستبدال سيارات محركات البنزين بسيارات الديزل (وذلك بتخفيض الضريبة على وقود الديزل وقتها إلى 70 في المائة بينما كانت 74 في المائة على البنزين، مع الأخذ في الاعتبار أن الديزل يوفر للسيارة مسافة أطول بمقدار الثلث من البنزين) لأنها أقل إنتاجا لغاز ثاني أكسيد الكربون، المسؤول عن ظاهرة «الاحتباس الحراري».
شركات السيارات (التي تمول معامل الأبحاث في تقديم هذه الأرقام) توسعت في إنتاج السيارات بمحركات الديزل، لكن في العامين الأخيرين غير المسؤولون عن الصحة العامة والبيئيون مصدر الخطر على الجهاز التنفسي من ثاني أكسيد الكربون إلى أكاسيد النيتروجين التي تخرج من محرك الديزل عند تشغيله. وأصبحت الضريبة شبه متساوية في ميزانية هذا العام (67 في المائة على الديزل و66 في المائة على البنزين).
لكن غالبية الناس والمعلقين متشككون في نوايا الحكومة والأهداف الخفية الحقيقية وراء مشروع التخلص من سيارات الديزل. ليس فقط لعدم الثقة التلقائية في نوايا الساسة خاصة أن مسألة تلوث البيئة تحولت لأداة لفرض ضرائب جديدة لكن لأن الأرقام التي يستخدمها البيئيون ومستشارو الحكومة تتناقض بالتجربة العملية مع الهدف المعلن.
وحساب إنتاج السيارة لثاني أكسيد الكربون يخضع لمعادلة رياضية معقدة.
فبجانب إنتاج المحرك لغازات الكربون أثناء تشغيله يجب حساب مساهمة الكربون الناتج عن الطاقة التي استخدمت في المصانع لإنتاج السيارة ومكوناتها؛ وأيضا قطع الغيار اللازمة لإصلاحها والطاقة المستخدمة في نقل الأجزاء من بلد لآخر وورش الصيانة طوال حياة السيارة حتى إعدامها أو تفكيكها.
في كتابه «ما مدى ضرر ثمار الموز؟: حساب إنتاج ثاني أكسيد الكربون لكل الأشياء… تقريبا!»، الصادر في 2014 يقدم البروفسور بيرمارز لي المعادلة المستخدمة للسيارات (بأرقام 2013). وحدة القياس ألف جنيه من ثمن السيارة الجديدة.
كل وحدة (1000£) من ثمن السيارة تضخ 720 كيلوغراما من غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو أثناء مراحل إنتاجها.
محرك سيارة جديدة متوسطة (أربعة ركاب) يفرز 123 غراما كربونيات للكيلومتر (ج-كم). متوسط الاحتفاظ بسيارة خمس سنوات (40 ألف كم) يسكب نحو ثمانية أطنان من الغاز الكربوني في رئة البيئة.
متوسط ثمن السيارة نحو 20 ألف جنيه إسترليني، إنتاجها تسبب في 14 طنا من الكربون. أي مجموع ما تضخه السيارة الجديدة من الكربون في خمس سنوات يبلغ 22 طنا. من كرونيات التلوث.
ولأن الغالبية الساحقة يقترضون ثمن السيارة بأسعار فائدة لا تقل عن ثمانية وأحيانا عشرة في المائة، فقد استخدم الاقتصاديون معادلة البروفسور لي للمقارنة بين السيارة الجديدة (20 ألف جنيه) وأخرى مماثلة عمرها 10 سنوات (ما بين 1500 – 2000 جنيه) في تأثيرها على تلويث البيئة وعلى اقتصاد الأسرة.
محرك عمره 10 سنوات يفرز 163 ج-كم، (إضافة هامش 10ج لقلة كفاءة المحرك القديم) وبالتالي في خمس سنوات (40 ألف كم) تسكب السيارة القديمة 11 طنا من الكربون. شراء سيارة مستعملة مثل «الرسكلة» أو إعادة التدوير يغني عن تصنيع سيارة جديدة أي يوفر 14 طنا من الكربون.
وعندما صدر كتاب البروفسور لي واستخدم الاقتصاديون معادلاته لإجراء الحسابات، اتضح أن سيارة عمرها عشر سنوات تكون مساهمتها في تلويث الجو في خمس سنوات نصف مساهمة السيارة الجديدة بينما توفر على صاحبها اقتراض 18 ألف جنيه إضافية.
لا شك أن محرك السيارة الجديدة بالطبع أكثر كفاءة في التشغيل من محرك القديمة. تطور التكنولوجيا جعل محرك هذا العام أقل تلويثا للبيئة من محرك عمره 30 عاما في سيارتي التي اشتريتها من صديق بـ900 جنيه فقط قبل تسعة أعوام (لم يخرب محركها أبدا سواء مع الصديق أو معي ولم أدفع سوى الصيانة العادية السنوية). كم سيكلف البيئة من إنتاج الكربون بالتخلص منها بتفكيكها؟ وما هي أجزاء «جثتها» التي ستلوث البيئة؟ سؤال لا يجيب عليه البيئيون ولا البروفسور لي.
عرض شركة فورد سيارة أنظف (سيمنع تسييرها في الشوارع بعد 22 عاما) يطرح التساؤل حول النوايا. إذا كان الغرض تنقية هواء الشوارع، فلماذا مثلا لا تصدر الحكومات قانونا يجبر شركات السيارات على تركيب فلتر تنقية العادم لاستخلاص كل أكاسيد النيتروجين في ملايين محركات الديزل التي تسير في مدن العالم اليوم؟
هناك أصول تزداد قيمتها النقدية بمرور الزمن كالعقار والمصانع الإنتاجية (أي يتناقص فارق مديونية القرض سنويا) بينما السيارة تتناقص قيمتها النقدية في كل مشوار.
قرض 18 ألف جنيه لشراء سيارة (حال 95 في المائة من أصحاب سيارات الديزل) يتحول لمديونية 25440 جنيها بعد عام (الفائدة زائد تناقص قيمة السيارة بالثلث) بينا يحذر خبراء المال والاقتصاد من ارتفاع مديونية الأفراد والأسر إلى ضعفي ما كانت عليه قبل انهيار البنوك في عام 2008.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى