تكنولوجيا

فلسفة الألعاب: عندما تكون الألعاب مرآة للواقع

بعد يوم طويل مليء بالمشاكل والمواقف المزعجة، دائمًا ما تكون ألعاب الفيديو هي الملاذ الأخير لك. لا يوجد شعور أجمل من نزع كل همومك، والجلوس أمام منصة اللعب أو الحاسوب، ثم الإمساك بذراع التحكم أو ثنائي اللوحة والفأرة، لتستمتع بجلسة لعب هادئة ومريحة.

وإذا كنت لاعبًا تقليديًّا، أو محترفًا، للألعاب مساحة خاصة ومكانة مرموقة في قلبك وعقلك بدون شك. لكن ألم تسأل نفسك في يومٍ ما، لماذا تستطيع الألعاب أن تسحرنا هكذا؟ لماذا نجلس بالساعات والساعات أمامها دون التفكير في أكل شيء حتى؟

الأمر كله مرهون بالفلسفة القابعة خلف تلك الألعاب، وتأثيرها الخارق عليك. لذلك سنتحدث اليوم عن فلسفة الألعاب، والتي في بعض الأحيان قد تجعلها مرآة لواقعنا فعلًا.

تعريف الفلسفة (واقعيًّا)

الفلسفة بتعريفها العام والسطحي للغاية، تعني تفسير كل شيء وأي شيء، بمنطقية. استطاعت الفلسفة أن تُخرج من بين ضلوعها كل العلوم المعروفة، والتي كونت الحضارة الإنسانية بالكامل. وأصبحت الطريقة الفلسفية في التُفكير، تُعرف باسم: الطريقة العلمية في التفكير. والتي تعتمد على الملاحظة، التساؤل، طرح الفروض، تجريب الفروض، وفي النهاية الوصول لاستنتاج قاطع (ربما يتغير لاحقًا بظهور فرضيات جديدة أكثر منطقية).

لكن واقعيًّا، الفلسفة هي الاستنتاج النهائي فحسب، بغض النظر عن الآلية المُستخدمة في الوصول إليه. لذلك الفلسفة الواقعية هي الأيديولوجية التي يعتمدها الفرد في حياته، وبناء عليها يقوم بصياغة حياته من الصفر. إذًا الفلسفة هي محاولة (لمنطقَة) الحياة، لكن الفلسفة الواقعية هي (نتيجة تلك المنطقة).

هذا استنتاج مهم وصلنا إليه معاً، أبقه في ذهنك، سنحتاجه في العنوان التالي.

لماذا الفلسفة جزء من أي لعبة؟

قلنا للتوّ أن الفلسفة الواقعية هي الاستنتاج الأخير، أي أنها الأيديولوجية. وإذا نظرنا للألعاب، لرأينا أن كلها تحتوي على قصة بشكلٍ أو بآخر. وسواء كانت تلك الألعاب معتمدة على خيوط حبكة، أو معتمدة على أسلوب الباتل رويال، فتوجد قصة في كليهما بدون شك. يمكن لك أن تشاهد القصة مطروحة أمامك في اللعبة، أو أن تبنيها أنت بنفسك. رؤية القصة أو بنائها، يُبرهن على وجود أيدولوجية طرحها صانع اللعبة عليك، وأثرت فيك لدرجة جعلتك تتفاعل معها بالمشاهدة أو التخيُّل.

وهنا يمكن القول إن أي لعبة موجودة في العالم، خلفها أيدولوجية معينة، أي فلسفة معينة. لعبة سوبر ماريو خلفها فلسفة، لعبة سودوكو خلفها فلسفة، ولعبة XO أيضًا خلفها فلسفة. لأن صانع أي لعبة من السابق ذكرهم، أراد للاعب أن يستمتع بها، وأن يستمر في لعبها على الدوام دول كلل أو ملل. لذلك وجب وضع عنصر ترغيب، وجب عليه وضع عنصر إيهام قادر على إقناع العقل الباطن بأهمية هذه اللعبة في قتل الملل وقضاء وقت ممتع.

لذلك الفلسفة جزء لا يتجزأ من ألعاب الفيديو عمومًا. لكن مهلًا، ما فائدة الفلسفة في الألعاب من الأساس؟ ما فائدة طرح مغزى وهدف من القصة، لماذا لا نلعب فحسب؟

هنا يجب الانتقال للفقرة التالية حتمًا.

تأثير الفلسفة على الألعاب، وعلى اللاعب

ذكاء صنّاع ألعاب الفيديو يتمثل في طرح الأيديولوجية بداخل القصة، بشكلٍ يجعلك لا تستشعر وجودها من الأساس. ولذلك هناك قسم كامل في كل استوديو ألعاب متخصص فقط في تطوير أسلوب اللعب – Gameplay، والذي به تصبح القصة بُعدًا من أبعاد اللعبة، ولا تكون هي محور كل شيء. لأن اللاعب إذا انتبه للقصة كثيرًا، سيبدأ في تحليلها أكثر وأكثر، فبالتالي ربما يكتشف سقطات بها، أو حتى يتوقع النقلة التالية في الحبكة. وبذلك يكون ذكاء اللاعب أعلى من ذكاء المطور، وهذا يجعل المطور في وضعٍ حرجٍ جدًا.

عدم إحساس اللاعب بفلسفة اللعبة، يساعد على تغليفه بها مع الوقت؛ مثلًا لنأخذ جينيرا ألعاب التصويب – Shooter كمثال هنا.

التصويب يكون عنصرًا من عناصر أسلوب اللعب، ويُدعَم من قِبل القصة. لكن ربما أسلوب التصويب ذاته يحمل فلسفة معينة في بعض الألعاب. فإذا قرر صنّاع اللعبة جعل التصويب معتمدًا على عمل مسح ضوئي، ثم تحديد نقاط الضعف لضمان تصويب ناجع، فهذا بدوره يُرسب في ذهن اللاعب أن المواقف الحياتية أيضًا تستدعي التحليل أولًا قبل التصويب واتخاذ القرارات المصيرية.

فحتى التصويب كأسلوب لعب، يمكن أن يحمل العديد من الفلسفات المختلفة، باختلاف آلية التصويب ذاتها، أو آلية التحضير لذاك للتصويب. فلك أن تتخيل كميّة الفلسفات والإسقاطات التي تطرحها علينا الألعاب في كل محور من محاور صنعها؟ الأمر فعلًا مدهش إذا فكرت فيه مليًّا.

ألعاب قدمت فلسفات تستحق الاهتمام

لعبة Inside

هذه اللعبة مقدمة من نفس مُطوري لعبة LIMBO الشهيرة.

تعتمد Inside على أسلوب التحرك في مستويين: أفقي ورأسي، بشكلٍ ثابت. فبالتالي اللعبة مبنية على نظام اللعب ثنائي الأبعاد – 2D. ومثل لعبة Limbo، هذه اللعبة بسيطة للغاية في آليات الحركة، شكل الشخصيات، صياغة الألغاز، وحتى تصميم بيئة اللعب نفسها. لكن تختلف عنها في كونها ملونة، وأيضًا ألوانها تميل إلى الذبول في العديد من المشاهد.

هناك العديد من الفلسفات المركبة هنا في الواقع. اللعبة منذ المشهد الأول وحتى المشهد الأخير، تقول لك بصريح العبارة: “لا يجب فهم العالم من حولك، بهدف إدراك وجوده”. أي أن الحياة من حولنا مليئة بالأشياء الغريبة والعجيبة التي تحدث كل يوم، لكن الأمر اليقيني هو أن فهمها من العدم، لن يؤثر في حقيقة وجودها. حتى أن اسم اللعبة يوحي بدخولك في قلب معمعة الحياة، بغض النظر عن ما يحدث فيها.

في اللعبة أنت تبدأ بجوٍّ غامض، وتنتهي به كذلك. اللعبة بالكامل مبنية على إيهامك بوجود غاية ما، من كل ما يحدث؛ لكن لن تجدها. هنا يمكن القول إن المطورين اتّبعوا الفلسفة العدمية قليلًا أثناء صناعة اللعبة، والتي تنص على أن كل ما نفعله لا فائدة منه على كل حال، بينما عجلة الحياة تدور بنا؛ أو بغيرنا.

كما أن أسلوب اللعب نفسه -بجانب تصميم الشخصيات البسيط- يطرح على اللاعب فلسفة جانبية مهمة، تساند بدورها الفلسفة الأصلية، وتلك الفلسفة هي البساطة. حيث إن البساطة في كل شيء توحي بأن الأشياء من حولنا لا يجب أن تكون معقدة لتكون غامضة. وكذلك البيئة المبنية بنظام الـ 2D عملت أيضًا على تبسيط الأمور وتسطيحها جدًا، لتُركز على أهمية كون الحياة بسيطة، لكن في قلب البساطة يقبع العمق.

لعبة PUBG

لا تضحك، فقط انتظر واقرأ بهدوء.

لعبة PUBG هي واحدة من أشهر ألعاب الباتل رويال الموجودة هذه الأيام. وبالطبع الفضل يرجع للنسخة الأصلية للعبة على الحاسوب الشخصي وأجهزة اللعب المنزلية، والتي ساعدت بدورها على اشتهار نسخة الهاتف المحمول لاحقًا. الذي جذب الناس للعبة في البداية كان أسلوب اللعب الممتزج بالتفاعل القوي مع اللاعبين الموجودين معك. بجانب الترقب والتوجس اللذين يسيطران عليك عندما يشارف القتال على الانتهاء.

وبهذا نستخلص بعض الحقائق المهمة:

· تفاعلك مع أصدقائك أثناء اللعب؛ فلسفة.

· خوفك من الخصم القوي، فلسفة.

· وفرحتك بالنصر، فلسفة.

كل عنصر من العناصر التركيبية في لعبة PUBG (وألعاب الباتل رويال عمومًا)، ينطوي على فلسفة تستطيع التأثير فيك بشدة. التحدث مع الزملاء يُعطيك فلسفة التعاون وأهميتها، خوفك من الخصم يُعطيك فلسفة المنافسة بالرغم من الصعاب، وفرحتك بالنصر تُعطيك فلسفة العزم لأن هناك قتالات تالية يجب أن تثبت فيها جدارتك كذلك.

فببساطة؛ الفلسفة جزء أساسي من أي لعبة فيديو صُنِعت، أو ستُصنع في التاريخ.

زر الذهاب إلى الأعلى