اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

فرجيليوس .. الليبي

د. مصطفى عبدالهادي عبدالله

“يا أهل روما العظماء لقد خُلقتم لتحكموا العالم .. وكل من يرفض أن ينحني أمامكم .. اضربوه !” .. هكذا قال فرجيليوس في ملحمته .. وهكذا أصبحنا نرى مائة فرجيليوس يهدد الناس كلما رأى أنهم لا يعترفون به أو لا ينحنون لطاعته .

وجدت نفسي أستحضر هذا المشهد الماضوي عندما كنت جالسا أتابع حوارا ليبياً – ليبياً اعتراه فجأة ما يمكن تسميته – حقيقة لا مجازا – بالانهيار الكلي والشامل لمفاهيم مثل ” الشرعية” و”دولة المؤسسات” و”رجل الدولة” .

لقد كان ما شاهدته – وشاهده الآلاف على الهواء – من تهديد الناطق الرسمي باسم المجلس الرئاسي لمواطن ليبي بالخارج بإصدار مذكرة اعتقال بحقه فقط ليثبت له أن المجلس “شرعي” ويمتلك” الشرعية” . . دليلا صارخا على إصابة تفكيرنا المؤسساتي بمرض الآنوية العضال والذي تتمظهر أعراضه في النظرة الأحادية والمركزية في التفكير والقطبية في التصورات والمزاجية السطحية والانتقاء العقيم .

ذاك التفكير المؤسساتي الذي بات يهرع إلى مصطلح “الشرعية” ليجعل منها آلية بوليسية استباقية حمائية عندما يريد التنصل من فشله وتعليق كل أخطائه التي لا يجد لها تبريرات مقنعة أو ليصنع منها سيفا يسلطه على رقاب معارضيه .

وبين الشرعية بمفهومها السياسي، والمشروعية بمفهومها القانوني، إضافة إلى التلبس والمتاجرة بالشريعة في معترك “ولاية الفقيه” كثالثة الأثافي ، يعيش المجتمع حالة مزرية من العمل على استصنام نموذج استبدادي تعسفي مرعب ومقيت، ليته ظل حبيس أدراجنا الداخلية ولم يظهر للعلن على قنوات الدنيا، في الوقت الذي يتهرب فيه من نسميهم “مسؤولين” في بلادنا من الظهور على أي وسيلة إعلامية ليبية وكأن ممارسة هذه الطقوس من الكوميديا السوداء لم تكن لتكتمل إلا بمشهد مأساوي يمتع العالم كله ناظريه به .

إلا أن ما شاهدناه لم يكن ليثير كثيرا من الدهشة ولا الاستغراب، فهذا النمط من السلوك نمط امتص الطاقة الحيوية للمجتمع منذ أن غاب عن العقل الجمعي الاهتمام بمعايير وكيفية اختيار من يمثله أو ينطق باسمه على كافة المستويات، فأصبحنا ندور في حلقة مفرغة من البحث عن أجوبة لأسئلتنا الوجودية وسط الزحام.. ونعيش في عصر ما قبل “الملاحم” .. بامتياز .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى