اخترنا لكحياة

“فالنتينا” أول امرأة تحلق في الفضاء

في العديد من المجتمعات يحب الأهالي تربية الفتيات بشكل رئيسي لإعدادهن ليصبحن زوجات في المستقبل، فتجد عالمهن ورديا وناعما وبلا مخاطر تقريبا، فبالنسبة لهم ليس مستحسنا أن تصبح المرأة مستقلة وقادرة على أن تشمّر على ساعديها وتبحث عن المتاعب

لكن الفتاة “فالنتينا” كانت مختلفة، فبعد أن ولدت في 16 مارس 1937 أنهت دراستها في قرية صغيرة تدعى (بولشويا ماسلينيكوفا) في إقليم ياروسلافل، في روسيا، بدأت العمل في مصنع للإطارات كونها يتيمة، ثم درست الهندسة وتدربت علي الهبوط بالمظلات، ويبدو أنها كانت تفكر فيما بعد من ذلك بكثير، في الفضاء البعيد

وبالفعل، تم اختيارها هي و4 من زميلاتها (تتيانا كوزنتسوفا، إرينا سولويوفا، زهانا يركينا، فالنتينا بونومريفا) من بين 400 متقدمة ليصبحن رائدات فضاء

 

أول رحلة إلى الفضاء

 

في تاريخ 16 يونيو 1963 سجّلت تريشكوفا اسمها في أوراق التاريخ، حيث صارت أول امرأة في العالم تطير على متن فوستوك 6 إلى الفضاء، وفشل الرائدات الأربعة اللاتي تم اختيارهن معها من الطيران إلى الفضاء، وكانت تنادي أثناء إقلاع المركبة قائلة: “اخلعي قبعتكِ أيتها السماء، فأنا في طريقي إليكِ”

ولم تكتفي بهذا فحسب، فقد مضت نحو 19 عاما حتى تمكنت امرأة أخرى (سفيتلانا سافيتسكايا) من الطيران في الفضاء، لكن تميّز فالنتينا يكمن في كونها المرأة الوحيدة في التاريخ التي أجرت طيرانا فضائيا منفردا دون طاقم، ولم تستطع أي امرأة أخرى مجاراتها في ذلك

 

أقلعت من دون أن تعلم أمها

 

انطلقت فالنتينا على متن المركبة الفضائية الروسية (ڤوستوك 6) لتدور حول الكرة الأرضية 48 دورة في مدة 70 ساعة وخمسين دقيقة خلال ثلاثة أيام (16-19 يونيو) في الفضاء الفسيح الكبير

وكانت كلمة (النورس) بالروسية هي إشارة النداء للاتصال معها، وقد خلّد هذا النداء بإطلاقه على الكويكب 1671، أي “تشايكا”، وكانت تلك الفترة تزيد عن مجموع فترات تحليق كل رواد الفضاء الأمريكيين الذين سبقوها مجتمعين في ذلك الوقت

الطريف في الأمر أنها قبل انطلاق رحلتها أخبرت أسرتها بأنها ذاهبة لتشارك في مسابقة للقفز بالمظلات، وعلمت والدتها بمكان ابنتها الحقيقي من الإذاعة حيث كانت فالنتينا تسبح في الفضاء تدور حول الأرض.

“وقد عانت ترشكوفا من الغثيان وعدم الراحة في معظم الرحلة”

 

العودة مجددا إلى الأرض

 

بعد تحليق يعادل نحو 4272 دقيقة، هبطت ترشكوفا بالمظلة من المركبة (فوستوك 6) من على ارتفاع يقدر بـ 20000 قدم بعد دخولها الغلاف الجوي الأرضي، ووجدت نفسها على مسافة 612 كيلومتر في منطقة بالقرب من الحدود بين كازاخستان ومنغوليا والصين، ودعاها آهالي المنطقة للعشاء في ذلك اليوم وهم لا يعرفون أين كانت وأي مهمة تقضي

وأثناء هبوطها حدث عطل في برمجة الملاحة الأوتوماتيكية للمركبة مما أدى إلى انحرافها عن الأرض، ولما لاحظت فالنتينا ذلك أبلغت القيادة ليطور العلماء فورًا خوارزميات هبوط جديدة، فهبطت تيريشكوفا بأمان لكن ذلك لم يحمها من بعض الخدوش

وبالرغم من هذا الإنجاز، عانت رائدة الفضاء الأولى في المدار اضطرابات أثرت على صحتها كثيرا، فلم يكن بدنها متينا بما فيه الكفاية لمثل هذه التحليقات، ولذا لم تكرر التجربة الصعبة، لكن العديد من رائدات الفضاء اليوم يشاركن في التحليق من دون أي مشاكل

 

حياتها الشخصية

 

في نفس السنة 1963 تزوجت تريشكوفا من زميلها رائد الفضاء أدريان نيكولايف ورزقا عام 1964 بطفلة أسموها (إلينا)، لكنها  بعد ذلك عام 1982، لتتزوج من الدكتور (شابوشنيكوف) الذي توفي سنة 1999، وتصبح أرملة حتى اليوم

يعتبر أبوها واحدا من أبطال الحرب العالمية الثانية حيث مات وهو يحارب النازيين، وهو أمر ذو شأن كبير في روسيا، فأولاد المحاربين وخاصة الأبطال الذين يموتون في المعارك يحظون بتقدير عالٍ للغاية، رغم أنها لا تنتمي لطبقة عريقة في البلاد

 

الدراسة والعمل

 

بعد رغبتها في عدم تكرار تجربة التحليق في الفضاء، قامت بالدراسة في أكاديمية “زهوكوفسكي” للقوات الجوية وتخرجت سنة 1969 كمهندسة فضاء وفي عام 1977 نالت شهادة الدكتوراة في الهندسة

كما شغلت فالنتينا الكثير من المناصب في الحكومة السوفيتي، أبرزها عضوية في المجلس الأعلى السوفييتي، وتعيينها في الديوان الرئاسي للاتحاد، إضافة إلى عملها في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، قبل أن تتقاعد بطلب من الرئيس الروسي بوريس يلسين

 

مسيرة حافلة بالتقدير

 

تقلدت فالنتينا تريشكوفا العديد من الجوائز والأوسمة منها وسام بطل الاتحاد السوفيتي، كما نالت أوسمة من تشيكوسلوفاكيا، فيتنام، منغوليا وغيرها من الدول، تصل إلى 12 أوسمة، من بينها دكتوراة فخرية

ومنذ أواخر الستينات ولمدة 20 عاما، ترأست لجنة المرأة السوفيتية، وهي منظمة أنشئت لتوحيد جهود النساء في الاتحاد السوفيتي ودول أخرى للنضال من أجل السلام بين الشعوب

في عام 2015 تم عرض مركبتها فوستوف 6 في متحف العلوم في لندن، والذي انطلق تحت عنوان “ريادة الفضاء: ولادة عصر الفضاء”، وقد حضرت تيريشكوفا افتتاح المتحف وتحدثت بمحبة عن مركبتها مطلقة عليها اسم “محبوبتي” و”صديقتي الأجمل والأفضل، ورجلي الأجمل والأفضل”

وكانت ذات أثر كبير على وضع النساء في العالم ككل، فقد ألهمت العديد منهن وفتحت لهن القدرة على الانخراط في مجالات الفضاء في الوقت الذي تعاني فيه الكثير من النساء من صعوبات في المشاركة الفاعلة حتى على الأرض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى