مقالات مختارة

«غوغل» وتنقية الأخبار

ليونيد بيرشيدسكي

علمنا منذ فترة طويلة أن «غوغل» تتخذ قرارات بخصوص المحتوى، لكن التحركات الأخيرة التي اتخذتها باتجاه فرض رقابة تمثل تمادياً شديد المغالاة. وللأسف، من الصعب تخيل إثارة هذه الخطوات لموجة مضادة قوية بالنظر إلى أن ضحايا «غوغل» ينتمون إلى نوعية المواقع الإلكترونية التي لن يقدِم أي سياسي من التيار الرئيسي داخل المشهد السياسي على الدفاع عنها.
من جانبه، قال إريك شميدت، الرئيس التنفيذي لـ«ألفابت»، الشركة الأم لـ«غوغل»، أمام مؤتمر عقد مؤخراً: إن الشركة تعمل على الدفع بكل من «روسيا اليوم» و«سبوتنيك» خارج مجمع «غوغل نيوز». وقال: «لا نرغب في حظر الموقعين؛ فهذا يتنافى مع أسلوب عملنا. إنني أرفض بشدة فرض الرقابة، لكنني أؤيد بشدة التصنيف، وهذا ما نفعله».
وتحمل عبارات شميدت أصداء منشور أطلقه نائب رئيس شركة «غوغل» للشؤون الهندسية، بن غوميز، في أبريل (نيسان)، وأشار فيه إلى إدخال تغييرات على أسلوب بحث «غوغل» عن الأخبار. واستهدفت التوجيهات الجديدة «صفحات الإنترنت الخادعة» التي تبدو مثل الإخبارية، لكنها في حقيقة الأمر تسعى إلى «التلاعب بالمستخدمين» عبر الترويج لنظريات المؤامرة وأكاذيب ومعلومات غير دقيقة.
وكتب غوميز: «تولينا للتو تعديل إشاراتنا للمعاونة في ظهور الصفحات الأكثر مصداقية على السطح، وتخفيض مرتبة الأخرى ذات المحتوى الرديء».
من جانبي، لن أدعي أن «روسيا اليوم» و«سبوتنيك» وسائل إعلام إخبارية بالمعنى الحقيقي (في الواقع، لقد أكدت من قبل أنها ليست كذلك). ومع هذا، فإنني لا أود من «غوغل» أن تدفع بهما خارج عمليات البحث عن الأخبار أو خدمة التجميع الخاصة بـ«غوغل نيوز». ولا أود كذلك المساس بالمواقع الإلكترونية التي تقف على الهامش والبديلة، بغض النظر عن الطيف السياسي الذي تعكسه.
بطبيعة الحال، أنا واحد من المهنيين الإعلاميين، وأدرك تماماً أن هذه المواقع كثيراً ما تخطئ ـ وعن عمد. وأعرف أنها تروج للدعايات ونظريات المؤامرة. إلا أن حالة الحراك التي تضفيها على الأخبار مهمة للغاية بالنسبة لعملي. على سبيل المثال، ادعى عالم النفس الأميركي روبرت إبستاين في مقال نشره عبر «سبوتنيك» العام الماضي أن مقترحات البحث عبر «غوغل» كانت مصممة على نحو يميل لصالح المرشحة هيلاري كلينتون.
في المقابل، كتبت عموداً أعربت خلاله عن مخاوف حقيقية بشأن الأدلة التي ساقها إبستاين. والواضح أن هذه العملية برمتها ـ والتي تتسم بالأهمية داخل الأنظمة الديمقراطية ـ لم تكن لتتحقق لو أن «غوغل» خفض مرتبة «سبوتنيك» وأعماني عن وجود مقال إبستاين.
بطبيعة الحال، قد يدفع البعض بأن الشخص العادي المطلع على الأخبار لا ينبغي إمداده بأخبار زائفة، وأن الحراك الذي أتحدث عنه لا قيمة له بالنسبة له لافتقاره إلى الوقت والخبرة اللازمين لتنقية كل ما يصادفه. بيد أن هذا ليس السبب الحقيقي وراء الرقابة التي تفرضها «غوغل» اليوم عبر نظام الترتيب والتصنيف الخاص بها.
الحقيقة أن «غوغل» تحاول تقليص التهديدات أمام نشاطها التجاري عبر تجنب التعرض لأي انتقاد قد يسفر عن فرض إجراءات تنظيمية عليها. خلال المنشور الذي أطلقه في أبريل، أشار غوميز إلى حادثة تعود إلى ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وقال: «من استفسروا عن (هل المحارق النازية حقيقية؟) تلقوا إجابة واضحة ومثيرة للحرج: لا. وترغب (غوغل) من ناحيتها في تقليص احتمالية حدوث مثل هذه المواقف».
وينطبق المنطق ذاته على التحركات الأخيرة التي اتخذتها الشركة خلال الفترة الأخيرة، فقد قررت «غوغل» خفض ترتيب «روسيا اليوم» و«سبوتنيك» في الوقت ذاته الذي يتفحص أعضاء من الكونغرس ما إذا كانت المنصات التكنولوجية الأميركية عاونت في تسهيل حملة روسية لنشر معلومات مضللة أثناء الانتخابات الرئاسية. وحتى ظهرت احتمالية التعرض لإجراءات تنظيمية، لم تعبأ الشركة بأي من هذه المواقع، رغم أن محتوى «روسيا اليوم» و«سبوتنيك» لم يطرأ عليه تغيير.
الفكرة الأساسية هنا أن «غوغل» تتعمد خفض ترتيب أي محتوى يمكن أن يثير رد فعل سلبي ضده ـ وهذا أمر من المهم للغاية أن نتفهمه جميعاً حتى إذا كنت لا تطلع على «القصص الصحافية» التي تطرحها مواقع اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف، أو الموالية لروسيا أو إيران، أو أي مواقع متحيزة أخرى. ومع أن هناك تطبيقات أخرى مثل «فيدلي» أو «نوزيل» أو «فليبورد» يمكنك بناء منظومة تجميع الأخبار الخاصة بك من خلالها، فإن استخدامها ليس بالسهولة التي يتميز بها «غوغل نيوز». لقد فرضت «غوغل» احتكاراً تغاضى عنه المشرعون حتى الآن، لكن حال كسر هذا الاحتكار ربما تظهر مؤسسات منافسة تطرح درجات مختلفة من التنقية ونماذج ترتيب مختلفة؛ الأمر الذي سيضر بالعمل التجاري، لكنه بالتأكيد سيعود بالنفع على المستهلكين.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»

_______________________________
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى