مقالات مختارة

غسيل الدماغ..ما هو وكيف يتم؟

علي الحويل

أول من استخدم لفظ غسيل الدماغ كان إدوارد هنتر ليصف به حالة الجنود الأميركان العائدين من أسر الصينيين لهم خلال الحرب الكورية عام 1950، فقد اكتشف الأميركان ان الأسرى عادوا وقد تبنوا المبادئ الشيوعية بصورة ثابتة يصعب تغييرها! وقد وصف هنتر الحالة بأنها المحاولات المخططة، أو الأساليب السياسية المتبعة من قبل الشيوعيين، لإقناع غير الشيوعيين، بالإيمان والتسليم بمبادئهم وتعاليمهم!
إلا أن التاريخ يصف لنا حالة أخرى مشابهة هي حالة حسن صباح في قلعة الموت في إيران عام 1730م والذي تمكن من السيطرة على عقول اتباعه حتى انه كان يرسلهم في عمليات اغتيال انتحارية قيل انه كان يستخدم مزيج من التأثير أو التنويم الإيحائي ومواد مخدرة (الحشيش) لإخضاعهم لسلطانه ومن هنا جاءت الكلمة الانجليزية لتصف منفذي الاغتيالات بالحشاشين ثم تطورت عنها كلمة asasin أي القاتل بالغيلة.
عملية تغيير الفكر العقدي والسياسي عملية طويلة تتم من خلال وسائل عنيفة ومرهقة ومؤلمة يجري خلالها مسح الأفكار المعنية تماما لدى الأفراد وإحلال مبادئ وذكريات ومثل وقيم جديدة محلها ومن تلك الوسائل:
عزل الشخص المستهدف في غرفة أبوابها ونافذتها حديدية لا يمكن الهروب منها وإقناعه بأن المقربين منه سواء من أسرته أو وطنه قد تخلوا عنه وانه لا بديل لديه لتلافي التعذيب الجسدي اليومي الذي يتعرض له إلا باستبدال قناعاته السياسية وولاءاته بتلك المعروضة عليه وكان يتعرض للتجويع أو الإلقاء شبه عار في البرد القارس أو الإغراق بالمياه أو الحرمان من النوم أو تعريضه لأصوات متصلة مزعجة كصوت قطرات مياه الصنبور وغيرها، فضلا عن إهدار كرامته بخضوعه الكامل لسجانه والامتثال لأمره في كل شؤون يومه، وعندما تبدأ بوادر الانكسار بالظهور عليه يبدأ تعليمه ضمن مجموعة صغيرة مبادئ الشيوعية ومنافعها للبشرية ويجري اختباره في المعلومات التي درست له ويعاقب بشدة إذا لم يحفظها ومع مرور الوقت تنهار دفاعاته الذاتية ويبدأ بتبني الفكر المعروض عليه والإيمان به كما تم تلقينه له، و هذا ما تعرض له الأسرى الأميركان في السجون الصينية.
لاحظ العلماء وجود أنواع غسيل للدماغ محدودة أو قصيرة الأمد مثل تلك التي تحدث جراء استخدام التنويم المغناطيسي (الإيحاء الإيجابي) أو عبر درجات محددة لنغم ونوع من الموسيقى إذ يمكن لهذين المؤثرين جذب الإنسان لبضاعة معينة كالفشار والكولا، فقد ثبت أن إذاعة إعلانهما خلال العروض السينمائية بسرعة فائقة لا تراها العين ولكن يلتقطها الدماغ subliminal suggestions تجعل كل حضور العرض السينمائي يتدافعون لشرائها! وقد راج استخدام هذا التأثير subliminal suggestions في أعمال الدعاية والإعلان لفترة طويلة، ولكن، ولكونه يمنح فرصة اكبر لمنتجات محددة دون غيرها فقد منع وجرم استخدامه.
نمط آخر مؤقت لوحظ في حادثة السطو على أحد البنوك في ستوكهولم واحتجاز اللصوص لبعض موظفي البنك، اذ ظهر تعاطف الرهائن الشديد مع محتجزيهم حتى كادوا أن يحبطوا عملية تحريرهم وسميت هذه الظاهرة بمتلازمة ستوكهولم، وتعزى إلى أن العقل ابتدع التعاطف مع الخاطفين ليغطي على العجز أمام المهانة التي تعرضت لها النفس دون قدرة منها على الخلاص من أسرها ذاتيا منعا لتعرضها للانهيار.
النوع الأخير المؤقت هو ما تستخدمه الدول في حالات الحرب بتسخير وسائل الإعلام لتوجيه الإرادة الشعبية للتوحد خلف القيادة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صحيفة “الأنباء”الكويتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى