كتَـــــاب الموقع

عن “كامو” الجزائري و “الكرسي” الليبي

المناضل والفيلسوف الفرنسي جانسون يرد على ألبير كامو حين قال قولته الشهيرة:

“من أراد أن تبقى يداه نظيفة لا يد له”.
قال جانسون لـ “كامو”:
“عوض الاهتمام بحمل الفكر والفلسفة اهتم بحمل الحقائب للإرهاب”.
المعركة القصيرة هذه احتشدت أمام هيبة تاريخ النضال الجزائري، لكن “كامو” لم يكن على هذا النحو القاسي من افتراء جانسون.. على الأقل هذا ما نعرفه، لقد نقل لنا “كامو” فكرة جيدة، وجديرة بالاهتمام، إن الجميع يدفعون الثمن باهظا أمام خيانة واحدة.
حكى عن رجل خان رفاقه أثناء الثورة الجزائرية ثم اختبأ في مدرسة نائية ومهجورة، وحين استيقظ من النوم قرأ سطرا مكتوبا بالطبشور الأحمر: “لقد سلّمت أخانا، جميعا سوف ندفع الثمن”.
وهذا الفرنسي الذي لم يكن جزائريا إلا بالمولد، وربما بالحب، والوفاء، فتح لنا شهية الرفض، والنبذ لكل الخونة الذين يختبئون خلف أفكار لم ينتبهوا أو أنهم ينتبهون إلى أنها أخطاء فاحشة ولاذعة مثل ذيل عقرب.
القصة تلك، جزائرية، واستعارتها ليبية، وإن كانت مثل من يستعير عصا غليظة مهشمة وبلا لحاء، لساقٍ مقطوعة،  إلا أن الخيانات تتشابه، زمانيا ومكانياُ، لا أحد ينجو تماماً.
إن فكرة ضئيلة وغير متوقعة، لكنها صادمة، بحجم ” كرسي” دَسِم، يشعل حربا بين اثنين، في حين ينطفئ الضوء عن مدن كاملة، بكامل وهجها وهيبتها ووقار بيوتها وشغف صغارها البريء. وإن خيانة واحدة بقميص أبيض أنيق ومبلول بالعطر وبربطة عنق سادة، قد تفجر سيلا منفلتاً من الغوغاء واللصوص، وإن يدًا واحدة غير نظيفة، قد تحرم ملايين الأيدي الصغيرة أن تحلَّ واجبها المدرسي.
أربعون عاما في الجبّ, وما زالت تخوننا الدلاء.
__________________________
خاص 218

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى