خاص 218مقالات مختارة

عـودة ليـبـيـا من المتــاهـة؟

محمد المفتي

بعـد انتهاء الحرب العالمية الثانية، سعت إيطاليا للعودة إلى إقليم طرابلس، فكان أن طُرح مشروع بيفن سفورزا لوصاية بريطانيا على برقة وإيطاليا على طرابلس.

ورأت أمريكا شبح الاتحاد السوفيتي يُحاول التسلّل إلى البحر المتوسط؛ فتدخلت وأسقطت المشروع وأُحيل مصير ليبيا إلى الأمم المتحدة، التي شكلت لجنة تقصّي حقائق، بقيادة أدريان بلت، والتي أوصت، بدورها، بمنح ليبيا استقلالها.

شيءٌ كهذا حدث عندنا، مؤخرًا، وتمثّل في تتبع السفير الأمريكي، ريتشارد نـورلانـد، لكل المراحل الحاسمة لحل الأزمة الليبية، لكن محلّ الصدارة كان من نصيب ستيفاني وليامز، المبعوثة الأممية بالنيابة، التي نجحت بصبر ومثابرة، في تشكيل رئاسة وحكومة، عـبر منتدى الحوار.

وفي 16 أكتوبر 2020، نشرت مقالاً، نوهت فيه بتطورات ثلاثة: إعلان الجيش انسحابه من محيط طرابلس يوم 20 مايو 2020، وفي يوم 22 يونيو 2020، عُقد اجتماع في زواره، جمع باشاغا و السراج مع قائد “أفريكوم” الجنرال تاونسند، والسفير نـورلانـد، تم الاتفاق فيه على تفكيك الميليشيات.

ويوم 18 سبتمبر، استؤنف ضخ النفط، وكان لابد من الاحتفال، ولذلك كان العنوان : ” وأخـيـرًا .. نـهـايـة حـروب الأشــقـاء”.

كان جليًا أن تلك الخطوات تمّت في سرّية تامة، وأنها نقلات شطرنجية حاسمة، وبالتالي لابد أنها نتاجٌ لقـرارات على أعلى مستوى، وربما وفق تطبيقات “نظرية الألعاب” في علوم السياسة Game Theory لاتخاذ القرارات الاستراتيجية.

ومع مطلع شهر يوليو؛ بدأت تركيا في نقل مقاتلين أو مرتزقة سوريـين إلى ليبيا. خطوة لم يتقبلها معظم الليبيون، لكن ما لفت نظري في الأسابيع الأولى، هو اللهجـة المستهجنة التي شيّعت بها اتفاقيات “السراج” مع تركيا، حول استعادة الإرث العثماني في المتوسط.

ولا يستقيم هذا النهج مع تاريخ “أردوغان” السياسي؛ فالرجل سياسيٌ محنكٌ، وقادرٌ على الجمع بين النقائض، فــ”تركيا أردوغان” ترفع شعارات عثمانية إسلامية، وهي عضو في حلف الأطلسي، وعلى علاقة طبيعية وودّية بإسرائيل.

وفي اعتقادي؛ فإن التدخل التركي أقرب ما يكون إلى ما يسمى “يد في قـفـاز”، اليد أمريكية والقفاز تركي، أي بتنسيق مشترك، وإن كان للتدخل العسكري من جدوي؛ فلربما كانت عاملاً إيجابيًا في إقناع التشكيلات السياسية و العسكرية في الغرب الليبي ومصراته بقـبول الحوار السياسي ونتائجـه، ورأينا كيف تمت جلسات البرلمان لمنح الثقة.. إلخ، في هـدوءٍ تامّ وصمت المعارضين السابقين.

أمّا إصرار تركيا على تواجدها عسكري؛ فقد يكون من باب تطبيق مبدأ “استعمار الجـار” الذي قال به المفكر السياسي “ومستشار توني بلير” روبرت كوبر، في مقالة شهيرة سنة 2002 بعنوان “دولة ما بعد الحداثة أو إعـادة تنظيم العالم” ، وهي فرضية تسـوّغ التدخل في دولة مجاورة فاشلة، وأنّ تدخّل الجار بشكل أو آخر، أمسى من ضرورات عصرنا في مواجهـة صنوف العنف والتخريب من تدمير الشبكات الكهربائية إلى استخدام الطائرات المسيّرة عن بعد، إلى الهجمات السيبرانية كتعطيل مصنع أو مفاعل نووي بالإشارات الرقـمية.

عالم اليوم مخيفٌ، ورغم مصاعب الطريق، يحقّ لليبيين أن يبتهجوا بما تحقّق مهما كانت مظاهر القصور.

كل عام وأنتم بخير، وارتدوا الكمامات.. حفظكم الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى