مقالات مختارة

عاجلا أو آجلا لن يجد السراج حليفا يلوذ به

علي قاسم

هناك دلائل قوية تشير إلى نوايا تركيّة لإرسال قوات عسكرية إلى الأراضي الليبية، بتسهيل من ميليشيات مصراتة. ويؤكد المتحدث الرسمي للجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، الذي كشف عن النوايا التركية، أن الأتراك قد نقلوا فعليا عناصر من “داعش” و”النصرة” إلى داخل الأراضي الليبية.

لن تدخل تركيا ليبيا بتكليف من الأمم المتحدة، ولم يتم انتدابها لتقوم بالمهمة من قبل المجتمع الدولي، ولم تعيّن وصيا على الليبيين من قبل الدول العظمى.. تركيا هناك بطلب من السراج، الذي أبدى استعدادا للاستعانة بأية جهة للاحتفاظ بالحكم.

المفروض أن فايز السراج رئيس لما يسمى بحكومة الوفاق الوطني، التي ترأسها في أكتوبر عام 2015. والمفروض أيضا أنه مكلف بالدفاع عن مصالح ليبيا ومصالح الليبيين.

ما حصل شيء آخر، سرعان ما اتضح أن السراج رهينة للميليشيات المتطرفة، يأتمر بأوامر أطراف خارجية داعمة للإخوان المسلمين. لذلك لم يتردد في طلب الحماية التركية، عندما أحس أنه لم يعد مرغوبا بوجوده في الحكم.

وكان السراج قد بعث، الجمعة، رسائل إلى رؤساء الولايات المتحدة، وبريطانيا، وإيطاليا، والجزائر، وتركيا، طلب فيها تفعيل اتفاقيات التعاون الأمني لـ”صدّ العدوان الذي تتعرض له العاصمة الليبية من أية مجموعات مسلحة تعمل خارج شرعية الدولة”.

وتم، السبت، الكشف عن طلب حكومة الوفاق تفعيل الاتفاقية الأمنية لحماية طرابلس، الموقعة مع إيطاليا، وهو ما رفضته الحكومة الإيطالية، معلنة تمسكها بالحل السياسي، مشددة على أن الأزمة الليبية تظل سياسية وليست عسكرية.

ويأتي هذا الطلب عقب أقل من يوم واحد، على إعلان حكومة الوفاق الوطني “الموافقة على تفعيل” مذكرة تعاون عسكري وقعت مؤخراً مع تركيا.ولأن العالم يرفض اليوم أسلوب الحماية والوصاية والانتداب، وقع السراج اتفاقيتين مع تركيا، تتيح الأولى لأنقرة توسيع حدودها البحرية في شرق المتوسط، وهي منطقة تختزن كميات كبيرة من النفط. ورأت دول متوسّطية عدة، منها مصر واليونان، أن هذه الخطوة “غير قانونية”.

أما الاتفاقية الثانية فهي اتفاقية عسكرية، تكتم الطرفان على تفاصيلها. إلا أن هذا لم يمنع تركيا من إعلان استعدادها لإرسال قوات إلى ليبيا دعماً للسراج.

ما اقترفه السراج، فعله من قبله حكام ضعفاء مستبدّون، باعوا أنفسهم وبلادهم بثمن بخس في سبيل استمرارهم بالحكم. الأمر مع ليبيا وتركيا مختلف، لأنه يطال أمن حوض البحر المتوسط، وقد يهدد بإشعال المنطقة ويعرضها للخطر.

على العالم أن يأخذ اليوم بجدّ التحذيرات الصادرة عن البرلمان الليبي والجيش الليبي، و”يحجر” على السراج ويقيّد تصرفاته قبل أن يشعل المنطقة برمتها، خاصة وأن الاتفاقية التي وقعها باطلة قانونياً، كونها تحتاج موافقة أعضاء كل من المجلس الرئاسي والبرلمان، الأمر الذي لم يحدث.

واشنطن، التي التزمت الصمت طويلا، عبرت أخيرا عن انزعاجها من التحركات التركية، وأعربت عن قلقها من الاتفاق الأمني، واعتبرته استفزازياً.

ونقل عن مسؤول أميركي قوله “الآن في ما يتعلق بالحدود البحرية، أنت (أردوغان) تقوم بترسيم الحدود في اليونان وقبرص.. من وجهة نظر الولايات المتحدة، هذا مثار قلق.. هذا ليس الوقت المناسب لإثارة المزيد من عدم الاستقرار في البحر المتوسط.. مذكرة التفاهم استفزازية، ومثار للقلق الدولي”.

لقد أثبت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، استعداده لارتكاب أية حماقات تبقيه في الحكم، شاهد العالم مثالا على ذلك داخل تركيا، وخارجها.

في الداخل التركي، وفي أعقاب محاولة انقلابية عام 2016، أشرف أردوغان بنفسه على حملات “تطهير” في الخدمة المدنية والقضاء والجيش والجامعات، ومنح لنفسه صلاحيات بموجب تعديلات فرضها على البرلمان والحكومة ليصبح الحاكم بأمره.

مغامرة أردوغان خارج تركيا هي ما يهمنا، وهي الأخطر، حيث نصّب نفسه مدافعا عن الإخوان المسلمين، وسخّر إمكانيات بلاده، مغامرا بعلاقاته مع دول الاتحاد الأوروبي، ومع الولايات المتحدة وحلف الناتو، في دعم المتشددين الإسلاميين.

ورغم تحذيرات واشنطن وتهديدها أنقرة بعقوبات اقتصادية، اتجه أردوغان صوب روسيا لشراء صواريخ من نوع أس- 400.

وكانت العلاقات بين الدولتين، المنضويتين في حلف شمال الأطلسي، قد تدهورت في الأشهر الأخيرة على خلفية شن أنقرة هجوما على وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا.

وتبنت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي اقتراح قانون يدعمه الحزبان الجمهوري والديمقراطي، يوصي بفرض عقوبات قاسية على تركيا ومسؤوليها، على خلفية صفقة الصواريخ والهجوم على شمال سوريا.

كل ذلك لم يردع أردوغان الذي هدد بإغلاق قاعدتي إنجرليك وكوريجيك، على الساحل الجنوبي الغربي لتركيا، قرب الحدود مع سوريا.

ويستخدم سلاح الجو الأميركي قاعدة إنجرليك في إطار مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وتضم قاعدة كوريجيك محطة رادار كبرى لحلف شمال الأطلسي.

رد الفعل الأميركي على قرار أردوغان كان في حدود الدبلوماسية، حيث طالبت واشنطن من أنقرة تقديم تفسير بشأن التهديد بإغلاق القاعدتين.

جاء الطلب على لسان وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر، الذي اعتبر أن تركيا دولة ذات سيادة، وأن “لديها الحق في استقبال أو عدم استقبال قواعد لحلف شمال الأطلسي أو لقوات أجنبية”.

ولكن ذلك لم يمنعه من التعبير عن خيبة أمله إزاء الاتجاه الذي تسلكه أنقرة، في ابتعادها عن حلف شمال الأطلسي وتقربها من روسيا.

رغم المسحة الدبلوماسية لتعليق مارك إسبر، يمكن تلمس حجم الانزعاج الأميركي من سياسة أردوغان الداعمة للتشدد والتطرف، والمعادية للمصالح الأميركية في المنطقة.

عاجلا أو آجلا، ستضطر واشنطن إلى اتخاذ إجراء عقابي لمواجهة تحديات أردوغان، عندها لن يجد السراج الذي رفع شعار عليّ وعلى أعدائي، معبدا يلوذ إليه ليس فقط من بطش الأعداء، بل ومن بطش الأصدقاء أيضا.

المصدر
العرب
زر الذهاب إلى الأعلى