أخبار ليبيااهم الاخبارحياة

طقوس متنوعة تأسر المبدعين قبل الكتابة.. “218” تستكشف أبرزها

218| خلود الفلاح

هل تشترط الكتابة الإبداعية نوعًا من السلوك الشخصي؟ هذا السؤال كثيرا ما يتبادر إلى ذهن المتلقي. وتبقى الإجابة دائمًا مختلفة، على الأقل هذا ما تعرفنا عليه من سير وحوارات الكٌتاب حول طقوسهم الخاصة للبدء في الكتابة.

فمثلاً، من بين أغرب طقوس الكتابة ما كانت تقوم به الروائية فيرجينيا وولف وهو الكتابة واقفة في سبورة مرتفعة نسبيًا، وذلك حتى تبقى دائمة التأهب صوب الأفكار التي تراودها. وكان الروائي إرنست همنغواي يكتب المسودة الأولى بقلم الرصاص، إلا أن العادة الغريبة التي تميز بها هي الكتابة واقفا وهو ينتعل حذاءً أكبر من مقاسه.

وفي هذا الاستطلاع، تعرفنا إلى طقوس الكٌتاب العرب، فهناك من يكتب في كل وقت خاصة وقت السفر، وهناك من يفضل التجول في الشوارع ربما بحثًا عن ملامح تشبه شخصيات العمل الجديد، وأيضا الموسيقى يعدها البعض المحرض الفعلي للكتابة.

هذه الطقوس أو السلوكيات تختلف وتتعدد بحسب مزاج وشخصية الكاتب. ربما هي تراكم عادات في الكتابة، قد تحولت إلى ما يشبه الطقس.

نصيحة موراكامي

قال الروائي الجزائري بشير مفتي: عندما نطالع سير الكتاب الكبار نكتشف أن لهم هذه الطقوس الخاصة فترة الكتابة، ولكن أظن أي كاتب عندما يشرع في كتابة نص أدبي طويل مثل الرواية يخلق طقوسه الخاصة ويمكن تسميتها كذلك بروتينه الجديد الذي يساعده في التداخل مع روايته، الحقيقة لا أعرف إن كانت هذه طقوس خاصة مثل شرب القهوة كل ساعة تقريبا، التدخين رغم أنه مضر بالصحة، لكن كم هي كثيرة الأشياء المضرة بالصحة ومع ذلك نقوم بها. أظن جبرا ابراهيم جبرا هو الذي قال: “بعد كل رواية أحصي عدد علب السجائر التي دخنتها”، أظن كُتاب اليوم يمارسون الرياضة وليس التدخين مثلما نصحهم بذلك هاروكي موراكامي.

ويعتبر بشير مفتي أن حضور الموسيقى من عدمه بالنسبة له غير مهم، ما يحتاج له بالفعل في فترة الكتابة هو الهدوء والتفرغ الكامل ثم التجول كثيرا في الشوارع، ويضيف: “لا أدري السبب المباشر لفعل التجول بتطور الرواية، كثيرًا ما أحس أني مثل شخص مجنون يتمشى في الشارع ويحدث نفسه، في الحقيقة ليس حديثًا مع نفسي بقدر ما هو حديث الشخصيات داخل الرواية”.

واستطرد: أمارس الكتابة بحرية وعفوية، لا أعتبر نفسي كاتبا محترفًا، أي ذلك الذي تستطيع الكتابة أن تسعده ماديًا ومعنويًا، فأنا مضطر باستمرار للموازنة بين العمل الوظيفي الذي أعيش منه وهذا العمل الذي يشكل جوهر حياتي وقدري الذي أنافح عنه دون هوادة.

كتاب الموسيقى

تنطلق الشاعرة اللبنانية مريم جنجلو في طقس الكتابة، من سحابات مكثفة من الموسيقى، لا سيما الموسيقى الكلاسيكيّة كونها تحمِل داخلَها اختلاجات ذات تردد إنساني قوي يجمع الكثير من انفعالات مؤلفيها، الموسيقيون كما نعلم جميعاً، أكثرُ الفنانين قدرة على استنطاقِ الصمت الدائر حول لحظةَ ولادة المقطوعة التي سرعان ما تتّسِع سريعاً لِتختزل حياةً كاملةً تحت جناحيها قبل وصولها إلى مسامعنا.

وتضيف:”الموسيقى المرافقة لممارستي الكتابة شبيهة إلى حد كبير بقراءة الكتب. بل هي فعل ذهني تدويني لا يقل عن القراءة أهمية من ناحية قدرته على ترتيب المشاهد في رأسي تماماً مثلما تتراصُّ الصفحات لتكون كتاباً أقبَلت على قراءَته واقتنائه في عقلي قبل مكتبتي. إن كان هناك من مُحَرِّضٍ قد يلهمني السفر عبر عشرات الافتراضات الشعورية قبل الشروع في كتابة نص يَخُصُّني ويحمل بَصمتي فهو حتماً الموسيقى”.

تميمة بشرية

لا يمتلك الروائي الليبي شكري الميدي أجي شيئًا واضحًا يُمكن وصفه بالطقس الكتابي، واستطرد: قبل كل كتابة أستعيد مشهداً طبيعياً في ذهني: “غزلان واقفة على الثلج عند أطراف الغابة تحدق نحوي عبر البياض الثلجي”، هذا المشهد منحني دوماً القدرة على البدء في الكتابة، كلما بدا أكثر صفاء وقوة كانت كتابتي أكثر متعة وعمقا مع الوقت لم يعد هذا كافياً، رغم أنه مشهد مهم للتأمل، لكنه كان جامداً على مدى السنين وبدأتُ أفقد القدرة على التركيز عليه.

ويلفت شكري الميدي، إلى أن ما فعله كان بسيطًا، بدل الصورة التي في ذهنه بتميمة بشرية تُمثل كل الأخلاقيات الكتابية التي أهتم لها. كيان حقيقي يتطور معه كما يعيده للواقع أكثر. أنجز الروائي شكري الميدي روايته “توقف نمو” بمساعدة من هذه التميمة، ويضيف: ” لا أعرف هل تسمى هذه بطقوس، لكنها تساعدني على الجلوس وتحمل نفسي طوال فترة الكتابة”.

المسودة الأولى

وتحدث الروائي والشاعر الفلسطيني إياد شماسنة عن الكتابة بوصفها طقسه الذي يلجأ إليه هربا وشوقا وحبا وتمردا، ويضيف: “ميدان شغفي وساحات انطلاقي وطريقتي في الخلق والقتل والتغيير، لا أستعد لها، بل هي من تستعد، تكون جاهزة بكامل تبرّجها وأناقتها؛ كي نبحر معًا أو نحلق بعيدًا، أو نغوص عميقًا، ونكتشف معًا عوالم نتلصص عليها من ثقوب في سمائها أو من نوافذها المحطمة وشقوقها المتداعية، وربما لهذا السبب أكتب في كل وقت وكل مكان، وخصوصًا في ساعات السفر، حين أنظر إلى الأفق وأنشغل بالتقاط الأفكار والخيالات والحوارات”.

وواصل إياد شماسنة: أكتب ليلاً ونهارًا، صيفا وشتاء فوق الأرض وتحت الأرض، في الشارع والبيت، على المكتب أو البساط، في أضواء المدينة أو الظلام، في السيارات العامة والخاصة، أكتب كثيرًا وأحذف كثيرا لأني لا أستسلم لأول خاطر يعبر البال. أعمل دائمًا على إعادة تحرير مؤلفاتي باستمرار حتى لو تمت طباعتها، وأنا مقتنع بأنني سأجعلها أفضل، لأن المبدع من لا يرضى عما فعل بشكل نهائي، وقد حدث أن كتبت رواية من رواياتي عددًا من المرات تجاوز عدد مسوداتها الثلاثين.

وعلى جانب آخر ـ يتابع إياد شماسنة: أسعى للتفوق على نفسي في كل مرة، هذا هدفي الذي يجعلني أشعر بأنني أتقدم وأرتقي، أصبح أفضل، مع ذلك لا أكتب إلا للإنجاز والدهشة والمتعة، أكتب لمتعة ودهشة نفسي والآخرين ومع ذلك؛ لم أكتب أي سطر بناء على طلب أحد، ولا أستطيع أن أكتب أدبا للمناسبات ما لم تكن ملهمة.

قليلاً ما أدوّن ملاحظات قبل كتابة جديدة مع أني فعلتها ذات مرة لم تتكرر، وعندما أجلس للكتابة لا أدري أبدا ماذا سأكتب حتى يفيض الخيال، لا أجلس في انتظار مجيئه، لذلك أعمل على تغذيته وتدريبه بكثير من المطالعات، وكلما أنجزت رواية أحررها وأراجعها وأدققها، لأن المسودة الأولى عمل غير متقن وغير ناضج.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى