كتَـــــاب الموقع

طريق ضيق إلى عمق الشمال (9)

باشو

ترجمة: عمر أبو القاسم الككلي

محطة (25): أوبانازوا

زرت سييفو في مدينة أوبانازوا. وهو تاجر ثري، ومع ذلك فهو رجل يشغل ذهنَه ميل حقيقي إلى الشعر. كان يمتلك تفهما عميقا لقساوة رحلة تطواف، لأنه هو نفسه كان قد سافر مرارا إلى العاصمة. دعاني للإقامة في مقره قدر ما أشاء وعمل، قدر وسعه، على أن يجعلني مرتاحا:

شعرت فعلا أنني في بيتي،

أنام ملء راحتي،

في هذا البيت ذي الهواء العليل،

اخرجْ في شجاعة

وأرني وجهك،

صوت منفرد لعلجوم

تحت عش دودة قز،

متخيلا فرشاة زينة

أمام عينيَّ،

تمشيت بين الزهور الحمراء،

حيث تُربى دودة القز،

رجال ونساء

ألبستهم

مثل آلهة الأزمنة القديمة.

)كتبها سورا(

محطة (26): رايوشاكوجي

في إقليم ياماغاتا يوجد معبد يسمى رايوشاكوجي أسسه الراهب العظيم جيكاكو. كان هذا المعبد مشهورا بالهدوء المرين لمبناه المقدس. وحيث أن الجميع نصحوني بزيارته، غيرت مساري في أوبانانزوا مُيمّما وجهي إلى هناك، على الرغم من أن ذلك يعني المسير حوالي سبعة أميال إضافية. حين بلغته، كانت شمس نهاية الظهيرة ما زالت لابثة فوق المشهد. بعد ترتيب بقائي مع الرهبان عند حضيض الجبل، صعدت نحو المعبد الواقع قرب القمة. كان قوام الجبل بكامله مكونا من صخور ضخمة متلاصقة ومغطاة بأشجار الصنوبر والبلوط التليدة. الأرضية الصخرية ذاتها، تحمل لون الخلود، مفروشة بطحالب مخملية. أبواب المقامات المبنية على الصخور كانت محكمة الإغلاق بحيث لا يُسمع أي صوت. حين تنقلت على أطرافي الأربعة من صخرة إلى صخرة، منحنيا في إجلال أمام كل مقام شعرت بطاقة تطهرية تنبعث من هذه البيئة المقدسة لتعم كامل كياني.

في صمت المعبد المطبق،

صوت صرصار الحقول وحده

يخترق الصخور.

محطة (27): أويشيدا

رغبت في الإبحار مع مجرى نهر موغامي، لكن وأنا أنتظر قدوم طقس ملائم في أويشيدا قيل لي إن البذور القديمة للقصائد الطوال كانت قد بعثرتها الريح هنا وضربت جذورها، ما زالت تزهر كل سنة لتلين عقول القرويين القساة مثلما تفعل نغمة الشبَّابة الصافية. إلا أن هؤلاء الشعراء الريفيين صاروا الآن يجدون عنتا في شقّ طريقهم في غابة الأخطاء، عاجزين عن التمييز بين الأسلوب الجديد والأسلوب القديم، لأنهم لا يجدون قدوة يحتذونه. لذا، جلست معهم بطلب منهم لتأليف كتاب من القصائد الطوال، وأتركه لهم ليساعدهم خلال رحلتي المتطوحة.

محطة (28): موغاميغاوا

ينبع نهر موغامي من الجبال العالية في الشمال البعيد ويمر مجراه الأعلى عبر إقليم ياماغاتا. توجد عدة مواقع خطرة على طوال هذا النهر، مثل “الجنادل المتناثرة” و”منحدرات العقاب”، إلا أنه ينتهي في البحر في سيكاتا، بعد لعقه الحافة الشمالية من جبل إيتاييكي. نازلا هذا النهر على متن قارب، شعرت كما لو أن الجبال على الجانبين تتأهب للسقوط عليَّ، لشدة صغر القارب – كان من ذلك النوع الذي يستخدمه المزارعون لنقل حزم الأرز في الأزمنة القديمة- وكانت الأشجار بالغة الورافة. شاهدت “شلال الخيوط الفضية” يتوامض خلال الأوراق الخضراء ومعبدا يدعى سِنِّيدو قائما قرب الشاطئ. كان النهر طافحا على الضفتين وكان القارب في خطر دائم.

جامعا كل أمطار مايو،

يندفع نهر موغامي منحدرا،

في سيل واحد عنيف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى