أخبار ليبياخاص 218

طرابلس تسعى إلى إعادة رونقها التاريخي العريق

في أزقة مدينة طرابلس المتشابكة، تجري أعمال ترميم بنشاط من أجل إعادة المجد الغابر الى قلب العاصمة الليبية الذي تمّ تهميشه في عهد معمر القذافي.

ويقوم عمال بدفع عربات محمّلة بالرمل والإسمنت والركام، بينما يحفر آخرون أو يطرقون على الأرض منحني الظهور أو راكعين. ويتوقف ضجيج المطارق عندما يرتفع صوت الأذان من عدد من المساجد في المدينة.

وتتزامن هذه الأعمال مع الانتعاش السياسي الذي تشهده ليبيا منذ تعيين حكومة مكلّفة توحيد المؤسسات وتنظيم انتخابات وطنية في ديسمبر بعد عقد من الحروب والنزاعات تلت سقوط القذافي في عام 2011.

ويهدف العمل الذي بدأ في نهاية عام 2020 إلى “المحافظة على المدينة وتاريخها”، وعلى “هذا التراث المعماري الذي يعتبر واجهة ليبيا ويعبر عما في تاريخها من تجانس وتنوع وأصالة”، وفق ما يقول رئيس لجنة إدارة جهاز المدينة القديمة بطرابلس محمود النعاس.

ويمتد وسط المدينة على ما يزيد عن خمسين هكتارًا يتم العمل على تجميلها.

ويوضح النعاس لوكالة فرانس برس، “هذه مسؤولية كبيرة جدا ملقاة على عاتق لجنة إدارة الجهاز” الممولة من الحكومة. ويضيف “أستطيع أن أقول إنه لم يعد من الممكن إدخال قطعة حجر بدون علم وإشراف الجهاز”.

ويحرص القيمون على الأشغال الى استبعاد مواد مثل الإسمنت أو الخرسانات، مفضلين عليها المواد التقليدية مثل أحجار البازلت الصخرية لرصف الشوارع.

وتأسست المدينة القديمة في طرابلس على أيدي الفينيقيين في القرن السابع قبل الميلاد. وتركت فيها حضارات عديدة (الرومانية واليونانية والعثمانية) بصماتها المعمارية.

ولكن منذ نهاية السبعينات، في عهد القذافي، فقدت المدينة روحها عندما أفرغت من عائلاتها العريقة التي أراد الدكتاتور السابق تدميرها والتي استقرت في أحياء طرابلس الجديدة خارج الأسوار العتيقة.

بعدها استهدف القذافي القطاع الخاص، فصادر منازل ومحلات تجارية، وفرض إدارة الدولة لبعض المؤسسات، فأغلقت محال وورش حرفية عديدة في المدينة القديمة، قبل أن تتداعى.

ويحكي التاجر القديم الحاج مختار “تغيرت المدينة، وتغير سكانها (…) بعد سنوات من إجبار أصحاب المحال والمصانع الحرفية على هجرها، اندثرت الكثير من معالمها واختفت حرف كانت تورث من جيل إلى جيل”.

ويضيف التاجر، “حرف كثيرة اختفت”، مشيرا الى أنه يتمّ اليوم “استيراد بعض مكونات الزي التقليدي الليبي من الخارج… من الصين أو تركيا مثلا بدلا من صناعتها محليا بأيدي ليبية كما في السابق”.

ويرى الرسام محمد الغرياني (76 عاما) وهو صاحب صالة عرض فنية في المدينة القديمة، أن الأعمال “في جميع أزقة المدينة القديمة وبعض شوارعها الرئيسية (…) تثلج الصدر وترد الروح للمدينة التي كنا نتمتع فيها في صغرنا”.

ويشير الى أن “المدينة القديمة الآن في مرحلة صيانة عامة وفي كل مرة يخرج مبنى أو معلم، والآن التركيز على دار كريستا” وهو مبنى مسمّى على اسم فنان من المدينة القديمة، وستستغرق إعادة تأهيله خمسة أشهر.

وينظر الى المبنى على أنه شاهد على التنوع الثقافي في طرابلس، إذ لا يزال جزء منه يضم كنيسة القديس جورجيوس اليونانية الأرثوذكسية. وقد بناه عثمان باشا من عائلة القرمنلي العثمانية في عام 1664 ليكون سجنا للأسرى المسيحيين.

على مرّ السنين، تم تحويل أجزاء في شرق المدينة حيث تقع القلعة، إلى متحف، فيما صمدت أسواق الذهب والحرير في وجه ويلات الزمن. في الأزقة المسقوفة أو تحت الممرات المزخرفة التي تصطف المحال على جانبيها، يتبضّع بعض الزبائن.

وهناك أشهر لفية في الصور التذكارية: القوس الروماني لماركوس أوريليوس بالقرب من المدخل الشمالي الشرقي للمدينة المنورة ونخيلها ومئذنة جامع قرجي.

بعض الأماكن المهجورة في المدينة التي كانت تحولت الى مكبّات مفتوحة أصبحت اليوم ورش بناء ضخمة يشرف عليها مهندسون معماريون ومؤرخون وحرفيون وفنانون.

ويضيف المهدي عبد الله، وهو من سكان المدينة القديمة وفي الثلاثينات من عمره، “الشكر للعاملين في جهاز إدارة المدينة القديمة، ومنهم المهندسون المعماريون والحرفيون والفنانون والخبراء في التاريخ… كلّ يأتي بخبرته في مجاله”.

وبسبب هجرها لوقت طويل، تبدو بعض المباني منشآت عشوائية، وقد تداعى بعضها وتحول الى ركام.

في أماكن أخرى، تمّ تدعيم بعض جدران المباني القديمة التي تنتظر تجديدها بعوارض خشبية تعبر الأزقة الضيقة.

في أحد الشوارع المحفورة، يلعب أطفال ويركضون. ويقول المهدي “الجميع يراقبونهم”. إنها ميزة

العيش في هذا المجتمع الذي يعاد بناؤه شيئًا فشيئًا”.

وأصبحت للواجهة البحرية شمال المدينة القديمة أرصفة وطريق إسفلتي. ولم تعد هناك مواقف عشوائية للسيارات أو حفر تحوّل الشارع إلى ممر موحل في الأيام الممطرة.

في محله لمعدات الصيد والغوص، يقول محمد ناصر “ولد أبي في بيت فوق هذا الدكان (…)، وأنا عدت إلى هنا وأرى كل يوم تحسنا كبيرا في مظهر المدينة… كأنها عادت إلينا أخيرا بعد طول غياب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى