كتَـــــاب الموقعمقالات

ضحية الانقسام السياسي

محمد المعداني

لم يكن المواطن نضال محمد المعداني ذو الخمسة عشر ربيعاً يعتقد أنّ ليبيا دولتان، لكلٍ منهما رئيس وزراء وحكومة مستقله بقراراتها .. كان يعتقد أن وطنه، شرقه وغربه، شماله وجنوبه وطناً واحدا .. هذا ما زرعتُهُ في فكره .. وربما كنتُ مخطئاً حينما أقنعتُهُ بأنّ ما يجري على الساحة السياسية في ليبيا لا يؤثر سلباً على وحدة ترابها، وأن بنغازي التي ولد وترعرع فيها لا تستطيع قوة على الأرض أن تفصلها عن مصراتة التي يقيم على أرضها كل أعمامه.

لم يخطر في باله أنّ سياسة التعليم في الشرق تختلف كثيراً عن سياسة تعليم المنطقة الغربية، وأنّ المنهج الدراسي مختلف ومَن يضع جدول امتحانات الشهادة الإعدادية يُصر على عدم توحدها .. قبل  إعلان نتيجة الدور الأول  للشهادة الإعدادية شددتُ الرحيل إلى  مدينة مصراتة برفقة ابني نضال لحضور مناسبة سعيدة .. لم يتململ من طول الطريق ولم يشعر بعوائق تعرقل مسيرته.

كان في غاية السعادة وهو يمرح مع أبناء أعمامه طيلة أيام العرس، ويتلذذ بطعم البازين مع لحم الإبل .. الشيء الوحيد الذي كان يشغل جل تفكيره هو نتيجة امتحان  مادة الجغرافيا التي يتوقع رسوبه فيها بسبب معلمة المادة التي تقضي جل وقتها بالفصل مشغولة بإطعام طفلها الرضيع بحليب السيرلاك والبسكويت وهزهزة “الكروسه” التي تحمله كلما بادر بالصراخ.

وحدث ما كنا نتوقعه، نجاحه في جميع المواد بتفوق ماعدا مادة الجغرافيا.. مؤازرة أبناء عمومته والتفافهم حوله هو ما هوًن عليه حجم الألم الذي اعتصر قلبه وجدد الأمل في نفسه باجتياز الامتحان بالدور الثاني .. سارع أبناء عمه في البحث عن مواعيد الامتحانات على صفحات التواصل الاجتماعي وكانت نتيجة البحث أن موعد امتحان مادة الجغرافيا هو السبت الموافق 8/9/2018 حسب الجدول الصادر عن إدارة الامتحانات بوزارة التعليم لدولة ليبيا والممهور بختمها..

لم ينتبه نضال وأقرانه إلى اسم الحكومة هل هي وفاق أم مؤقتة ولم يعرف كل منهم أي الحكومات تمتلك الشرعية في إصدار القرارات المصيرية التي تسري على جميع الليبيين .. وضعنا في اعتبارنا أن الموعد المحدد هو يوم السبت .. ويعلم الله أنه لم يدخر جهداً في حفظ المنهج المقرر ليضمن النجاح بتفوق .. في الموعد المحدد كان أمام باب المدرسة التي سيمتحن فيها فتفاجأ بأن امتحان مادة الجغرافيا كان يوم الخميس الماضي وأخبره المعلمون أنه تم تسجيله غياب ويعتبر راسباً وينبغي عليه إعادة السنة .. خيبة أمل عصفت بقلبه الصغير كما تعصف الرياح العاتية بأوراق الخريف .. عقدت الدهشة لسانه.

بعد أن رجع إلى المنزل انتابته موجة من الصراخ الهستيري والبكاء بحرقة  كحرقة أم ضاع ولدها .. أصبح كل جزء في جسده يرتعش كأنه تعرض لموجة صقيع .. حينما أراد الكلام  أصبح “حنكه” يرتجف و”ايوكوك” .. أ أ أ انا مممش ذ ذ ذ ذنبي يييييابااااا تي .. هكذا خرجت الكلمات من حنجرته .. أصابنا الذهول .. احتضنته أمه والدموع تنهمر من عينيها سيلُ جارف كأنها افتقدته.

حاولنا إقناعه بأننا  سوف لن نحمله أي ذنب وإن رسوبه في مادة الجغرافية لم يكن ناتجاً عن أهماله أو تقصيره … أ أ أ أ أ نا مششش مشششش فاااااااشششششل ياااااا باااااتي ععععع شاااااان انعاااااود السسسسسسسسنه … نعم يا فلذة كبدي .. انت مش فاشل لكن هناك من يسعى لجعل الشباب الليبي يتخبطون في الفشل .. من المسؤول عن “الخلبطه” التي تشهدها بلادنا ومن الذين أوجه لهم إصبع الاتهام لتسببهم في اضطربات نفسية أصبح يعاني منها ابني منذ يوم أمس.

هل يحق لي بصفتي مواطن ليبي أن أرفع دعوى قضائية ضد حكومة الوفاق والحكومة المؤقتة ومجلس النواب ومجلس الدولة وكافة السياسيين الذين تجردوا من الأحاسيس والمشاعر الإنسانية وتسببوا في جريمة الانقسام السياسي الذي كان أحد ضحاياه نضال محمد المعداني.

حفظ الله ليبيا وحفظ أبناءكم

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى